الرئيسية زوايا وآراء شرق أوسط جديد بدون فلسطين واليمن

شرق أوسط جديد بدون فلسطين واليمن

تعبير “شرق أوسط جديد بدون اليمن وفلسطين” ليس مجرد عبارة عابرة أو عنوانًا إعلاميًا مثيرًا، بل هو خلاصة مشروع استراتيجي خطير، تُحاك خيوطه منذ سنوات، تُراد به إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية، والهوية الثقافية، والوعي الجمعي لشعوب المنطقة، بما يخدم مصالح القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

فـ”الشرق الأوسط الجديد” كما يُراد له أن يُبنى، ليس فضاءً للحرية أو التنمية أو العدالة، بل هو منظومة طيّعة خاضعة تمامًا للهيمنة الغربية والصهيونية، يُعاد فيه تعريف العدو، وتُحرّف فيه البوصلة، حتى تصبح فلسطين عبئًا منسيًا، ويُصور اليمن على أنه مصدر تهديد وفوضى، لا دولة ذات عمق تاريخي وروحي واستراتيجي في قلب الأمة.

في هذا الشرق الأوسط المُشوَّه، تُزال فلسطين من الخريطة، سياسيًا ووجدانيًا، ويُختصر الحديث عنها في “الحقوق الاقتصادية” و”فرص السلام”، لا في التحرير والكرامة. وتُقصى اليمن، لا لأنها عاجزة، بل لأنها تُصر على أن تكون فاعلاً مستقلاً، ورافعة حقيقية لمشروع التحرر ومقاومة الاستعمار الجديد، وترفض أن تتحول إلى مجرد حديقة خلفية لمشاريع التطبيع والاستتباع.

إن تهميش اليمن وفلسطين من معادلات المستقبل، ليس صدفة، بل هو جوهر المشروع، ففلسطين هي مركز الصراع وروح القضية، وتغيبها هو مقدمة لتطبيع الاحتلال وتصفية الهوية، واليمن بموقعه الجغرافي، وعمقه الحضاري، وبروحه الثورية اليوم، هو الخطر المستقبلي الأكبر على الهيمنة، لأنه يمتلك القدرة على كسر المعادلة، وفرض معادلة جديدة تنطلق من الاستقلال الحقيقي والكرامة.

وما كان المشروع الأمريكي–الصهيوني ليمضي بهذه القوة لولا الدعم الخليجي الممنهج، الذي لم يقتصر على التمويل، بل تجاوز ذلك إلى الترويج والتبني السياسي والإعلامي الكامل. فقد تحوّلت بعض الأنظمة الخليجية إلى ركائز أساسية في تنفيذ هذا المخطط، من خلال ضخّ المال السياسي في مسارات التطبيع، وتهميش القضية الفلسطينية، وشيطنة قوى المقاومة، وعلى رأسها أنصار الله في اليمن.

هذا الدعم لم يكن بريئًا أو عابرًا، بل كان مدروسًا وموجّهًا، حيث وُظّفت المنصات الإعلامية الكبرى لتشويه كل صوت حر، وسُخّرت الثروات الهائلة لا لنهضة الأمة، بل لتمويل الحروب الداخلية، وشراء الذمم، وبناء تحالفات قائمة على الخضوع للمشروع الأمريكي الصهيوني. واليمن كان من أوائل الضحايا، لا لأنه يشكّل تهديدًا حقيقيًا لجيرانه، بل لأنه رفض الانضمام إلى قافلة التطبيع، ورفع راية فلسطين عاليًا، وواجه المشروع من جذوره.

إن الدور الخليجي في هذا السياق لا يمكن فصله عن الجوهر الحقيقي للمخطط: شرق أوسط جديد بلا مقاومة، بلا كرامة، بلا فلسطين، وبلا يمن مستقل وفاعل. وإن أخطر ما في هذا الدعم، أنه يُلبّس ثوب “الاستقرار والتنمية”، بينما هو في الحقيقة استثمار طويل الأمد في صناعة الهيمنة وتقويض مراكز القوة الصاعدة داخل الأمة.

لكن إرادة الشعوب لا تُختصر بخطابات القمم، ولا تُكتم تحت ركام الحصار والدعاية؛ فالشرق الأوسط الحقيقي لن يُولد إلا من رحم المقاومة، وصوت المظلومين، وصبر المستضعفين، ووعي الأحرار. وسيظل اليمن وفلسطين – برغم الجراح – قلب هذا الشرق، لا هامشه.

لذلك، فإن أي “شرق أوسط جديد” لا يتسع لفلسطين ولا يعترف بمركزية اليمن، هو مشروع زائف ومفخّخ، يُعاد تسويقه بشعارات الاقتصاد والسلام، لكنه في حقيقته إعادة ترتيب للمنطقة على مقاس المحتل وأعوانه، وإقصاء منهجي لكل صوت يرفض أن يكون تابعًا أو مُطبّعًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد محسن الجوهري

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version