“خاص”
في مشهد يتحدى قوانين الهندسة والحرب، نجحت القوات المسلحة اليمنية في إغراق سفن عملاقة مثل “ماجيك سيز وإترنيتي سي وروبيمار”، وهي ليست سفن بالمعنى المتخيل “كومة حديد وشكل هندسي” بل عبارة عن قلاع عائمة في البحر، لكن كيف يمكن هزيمة هذه القلاع الضخمة؟
البنية الدفاعية السفن
بمساحة ملعب كرة قدم ونصف، مع متوسط حمولة 35 ألف طن متوزعة على 5-7 عنابر شحن يتخللها حواجز عرضية مانعه للغرق، وونشات عملاقة بأنظمة تحميل وتفريغ آلية، ووحوش من المحركات تشق طريقها هذه السفن وسط البحار والمحيطات تحت أقسى الظروف البحرية.
هذه السفن مزودة بغرف احتواء لمنع انتشار المياه في حالة التسرب، والهيكل السفلي مزدوج -غالبا مجهزة بألواح فولاذية معززة في المناطق الحيوية- مثل خزانات الوقود.. أما غرف الوقود والمحركات فتحيط بها طبقات عازلة لتقليل الأضرار الناتجة عن الاصطدامات أو الحرائق أو أي حدث.
هذه السفن من المستحيل الصعود إليها من أي قراصنة أو قوة بسبب ارتفاعها الكبير (15 متر) واحتوائها على سياج شوكي إذا لم يكن شركات تأمين مسلحة كحالة سفينة “ماجيك سيز”.
نقاط ضعف وتحديات الإصابة
هذه القلاع العملاقة يوجد لديها نقاط ضعف هي “هيكل القاع” لكن تلغيمه أثناء حركة السفينة بغواص “مهمة مستحيلة”، ربما عبر طوربيد مسير لكن لم يحصل حتى اللحظة، أما الألغام فلا يمكن استخدامها الآن فالهدف محدد بالسفن الإسرائيلية والسفن والشركات المتعاملة مع موانئ الكيان.
من نقاط ضعف هذه السفن أيضاً “خزانات الوقود وغرفة المحركات” لكن هذه المناطق تمثل فقط 5% من بدن السفن، وهي محمية بطبقات سميكة وتتطلب إصابة مباشرة بزاوية مثالية وإحتمالية حدوث ذلك ضئيلة جدا جدا، وإن توفرت فإن إحتمالية إغراقها لا تتعدى 5%، وإحتمالية توقف السفينة لا تتعدى 15%.
لتبسيط ذلك يمكن القول أن استهداف سفينة متحركة بطول ملعب كرة قدم، ترتفع وتنخفض مع الأمواج بمقدار ٥ أمتار أو أكثر، يشبه إطلاق سهم على هدف متأرجح في عاصفة، حتى الصواريخ المزودة بباحث بصري والذكية تحتاج إلى بيانات دقيقة عن السرعة، الارتفاع، والحركة الزاوية -قم واحد فقط قد يبعد الصاروخ عن الهدف لعدة أمتار- والأصعب: إصابة نقطة حساسة مثل غرفة المحركات أو خزان الوقود، والتي لا تتجاوز مساحتها ٥٪ من إجمالي الهيكل، وكحد أقصى وفي أفضل الظروف المثالية نسبة نجاح أي استهداف يصيب نقطة حيوية لا تتجاوز 5%، بخلاف بدن السفينة بالكامل والذي ترتفع فيه فرص الإصابة، لكن مع ذلك فإن تحديات إصابة هدف متحرك قد يغير سرعته الأمامية في أي لحظة وقد يرتفع وينخفض لأمتار في أي ثانية لا تتجاوز 70% في أفضل الظروف، وتتفاوت نسب الإصابة في الزورق المسير حسب موقع الإطلاق من السفينة وهيجان البحر ووجود شركة أمنية تتصدى له.
من منع المرور إلى الإغراق “زخم الإنجاز”
بتحليل مصير ونتائج السفن الثلاث “الغرق” وزخم الاستهداف بأعداد من الصواريخ والزوارق والطائرات المسيرة، نحن أمام حقائق تؤكد قرار القيادة الحازم بتصعيد وعودها من منع مرور السفن الإسرائيلية والسفن والشركات المتعاملة مع موانئ فلسطين المحتلة إلى التنكيل والإغراق، فإغراق قلاع بحرية عائمة يتطلب إصابة وتدمير عنبرين أو أكثر مع غرفة الماكينات أو خزانات الوقود أو تحطم الحاجز الأمامي وانهيار التوازن الجانبي، بخلاف الإيقاف والتعطيل، قد يبدو الحديث سهلاً لكنه عسكرياً وتقنياً “بالغ التعقيد” فالبيئة البحرية هي من أصعب ميادين العمل، وأهداف متحركة ومتحصنة تتطلب العديد من الإجراءات العملياتية فضلاً الدفاعية والوقائية، بدءاً من تحديد الأهداف وسط كومة من التضليل البحري حول السفن ووجهاتها الحقيقية، ومروراً بقرار التنفيذ وإجراء النداءات مع طاقم السفينة وتحذيره، وتأمين قنوات اتصال آمنة وتحديث مباشر لإحداثيات الهدف، والاستعداد لمواجهة عسكرية مباشرة في أي لحظة مع قطع حربية أو طائرات أو الفرق الأمنية على متن السفينة، والتأمين اللوجستي للزوارق المشاركة والتي قد تضطر للمرابطة لعدة أيام، من القوات الخاصة والزوارق الهجومية وطواقم تصوير الإعلام الحربي ومرافقة القوات الخاصة في الاقتحامات -إن وجدت- ناهيك عن تحديات الاقتحام نفسه.
هذه الإنجازات الضخمة للقوات المسلحة اليمنية وأقسامها الخاصة ما كانت لتحدث لولا إرادة التطوير والقرار، لتكتمل رسالة الردع بالقدرة والاقتدار، لصنع متغيرات استراتيجية تصرف على موائد المفاوضات مقبلات ومفاجئات بيد المقاوم الفلسطيني، وألغام وأشواك للإسرائيلي ومن خلفه الأمريكي، الذي يعي جيداً معنى رفع كلفة التعامل مع العدو الإسرائيلي على المجتمع البحري من التأخير والتعطيل إلى خسارة سفن قيمتها عشرات الملايين وحمولات بملايين الدولارات، ولسنا في مقام الحديث عن مكتسبات إقليمية ودولية لليمن المقاوم والذي بات يمتلك من الخبرة المراكمة ما لا تمتلكه أعتى جيوش العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المحرر السياسي
المشهد اليمني الأول
15 محرم 1447هـ
10 يوليو 2025م