الرئيسية أخبار وتقارير “قصص مرعبة” من الجنوب التي تدفع ثمن فشل “حكومة التحالف”

“قصص مرعبة” من الجنوب التي تدفع ثمن فشل “حكومة التحالف”

يتصاعد شبح المجاعة في المحافظات الجنوبية من اليمن، وفي مقدمتها مدينة عدن، التي تعيش واحدة من أسوأ مراحلها منذ سيطرة التحالف السعودي الإماراتي عليها عام 2016، وسط غياب تام لأي دور فاعل لحكومة عدن الموالية للتحالف، والتي تكتفي بالمشاهدة بينما تنهار مقومات الحياة من حولها. تعيش آلاف العائلات أوضاعًا إنسانية مأساوية، في مشهد يُلخّص فشلًا شاملًا في أداء أبسط مسؤولياتها.

في عدن، التي كانت تُوصف يومًا بـ”العاصمة الاقتصادية لليمن”، بدأت المجاعة تتجلى في مشاهد مروّعة، وثّقها إعلاميون وناشطون. أحد أبرزهم، الصحفي عبد الرحمن أنيس، مدير صحيفة “أكتوبر” الحكومية، وصف واقع المدينة بأنه “انهيار شامل للقدرة الشرائية والصحية”، راوياً حادثة لطفل يناشد والدته مغادرة صيدلية لعجزها عن شراء دواء بسيط، في صورة تختصر عمق البؤس.

وأوضح أنيس أن من يدخل صيدليات المدينة يجد مشهدًا بائسًا، حيث غالبية السكان عاجزون عن اقتناء حتى أبسط الأدوية، مضيفًا أن أسعار المواد الغذائية، وعلى رأسها كيس الدقيق، تجاوزت 65 ألف ريال، وهو مبلغ أعلى من راتب الموظف الحكومي الشهري، وسط غياب أي تدخل رسمي.

في السياق ذاته، كشفت معيدة في جامعة عدن عن تقاضيها راتبًا لا يتجاوز 20 ألف ريال شهريًا، في مفارقة صادمة تعكس احتقار السلطة لقطاع التعليم والعاملين فيه، ومؤشرًا خطيرًا على انهيار النظام الاقتصادي.

وتوازى هذا الانهيار مع تدهور قياسي في سعر العملة المحلية. فقد أصدرت نقابة الصرافين الجنوبيين بيانًا حادّ اللهجة، حمّلت فيه بنك عدن المركزي المسؤولية الكاملة عن الانهيار المتسارع للريال اليمني، بعد أن تجاوز سعر صرف الدولار 2800 ريال في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرة التحالف. ووصفت النقابة صمت قيادة البنك بأنه “عجز كامل”، مطالبة بـاستقالة فورية للإدارة، ومُحذّرة من “كارثة اقتصادية واجتماعية شاملة” تطال الجميع، ولا سيما أصحاب الدخل المحدود.

وأكد البيان أن النقابة “لن تقف مكتوفة الأيدي”، داعية إلى تحقيق عاجل ومساءلة جميع المتورطين في السياسات النقدية الفاشلة، ومشددة أن الوقت لا يحتمل المزيد من المجاملات في ملفات تمس حياة الناس وأمنهم المعيشي.

وفي مدينة تعز، حيث يزداد المشهد قتامة، يروي المواطن حسن سليمان من خيمته المهترئة كيف يصارع البقاء مع أسرته المكوّنة من ثمانية أفراد. يقول بأسى: “نخرج كل يوم بحثًا عن الفتات.. لا طعام، لا دواء، ولا حتى أمل”.
طفلته ذات الخمس سنوات تعاني من ضعف حاد، وزوجته تصارع الروماتيزم، فيما غابت عنهم تمامًا المنظمات الإنسانية والدعم الرسمي.

بدورها، تروي أم سعيد، ربة منزل في تعز، كيف باتت أسرتها تعيش على وجبتين فقط من الدقيق والماء يوميًا، دون زيت أو غاز، وتقول: “أطفالي ينامون على فرش ممزقة، يصرخون من الجوع، ولا أملك ما أُسكتهم به”.
تؤكد أن الدعم الإنساني مقطوع منذ 6 سنوات، وأنها تضطر للتسول أو العمل مقابل حفنة دقيق.

وتتزامن هذه المآسي مع تحذيرات أممية متصاعدة. فقد أعلن منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، توم فليتشر، أن أكثر من 17 مليون يمني يعانون من الجوع، بينهم أكثر من مليون طفل دون سن الخامسة يواجهون سوء تغذية حاد يهدد حياتهم. وأكدت التقارير أن خطة الاستجابة الإنسانية لم تُموّل سوى بنسبة 10% حتى مايو/أيار الماضي، وسط انسحاب تدريجي للمنظمات الدولية وتراجع خطير في الدعم.

الناشط الإنساني عبد الله البركاني عبّر عن قلقه الشديد من تصاعد المجاعة في ظل غياب سلطة واقعية، مؤكدًا أن البلاد دخلت مرحلة “الفقر الهيكلي” بعد توقف المساعدات لأشهر طويلة، وأصبحت القرى والمناطق الساحلية والريفية أكثر عرضة للانهيار الكامل.

أما الدكتور محمود البكاري، نائب مدير مكتب الشؤون الاجتماعية بمحافظة تعز، فأكد أن الأوضاع تجاوزت قدرة أي أسرة على التحمل، وأن الأطفال هم الضحايا الأشد لهذه الحرب. واعتبر أن الحل الجذري يبدأ بـوقف الحرب، وبناء السلام، وإعادة الحياة إلى مؤسسات الدولة.

وفي ظل هذا التدهور الشامل، تبقى حكومة عدن الموالية للتحالف غائبة تمامًا، عاجزة عن تقديم أي حلول، بل وغارقة في الصمت والتقاعس، رغم أن الجوع بات يهدد حياة الملايين. وبينما يُنتزع أطفال اليمن من طفولتهم لصالح المعاناة، ترتفع صرخة واحدة من أعماق المأساة:“أنقذونا من الموت”.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version