في مشهدٍ يندر أن يجتمع فيه هذا القدر من الوضوح والغضب في أقلام الصحف العالمية، تحوّلت صفحات كبريات الجرائد الدولية إلى منابر فضحٍ لما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي في غزة. لم تعد الكلمات حذرة، ولا العناوين مترددة. “إسرائيل ترتكب بدم بارد جريمة ضد الإنسانية في غزة”—بهذه العبارة الصادمة افتتح الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي مقاله في صحيفة هآرتس، كاشفًا أن ما يجري على أرض القطاع ليس سوى إبادة منهجية مغلفة بخدعة تسمى “المدينة الإنسانية”، التي لا تعدو كونها، وفق تعبيره، “محطة ترحيل نحو الشتات: إلى ليبيا، أو إثيوبيا، أو إندونيسيا”.
ليفي لم يتوقف عند حدّ التوصيف، بل ذهب أبعد من ذلك ليقول: “لم يعد بالإمكان اتهام نتنياهو – المطلوب للجنائية الدولية – بأنه يخوض حربًا عبثية؛ بل نحن أمام غاية إجرامية واضحة”. ويتهم قادة الجيش بأنهم “يقتلون الجنود في حرب تطهير عرقي ممنهجة”، لا مجرد معارك ميدانية.
ومن تل أبيب إلى لندن، يتردد الصدى. ففي صحيفة الغارديان البريطانية، تناول الكاتب سايمون تيسدال الموضوع من زاوية مختلفة، مشيرًا إلى أن الحرب على غزة وضعت “الضمير العالمي في اختبار أخلاقي”، فبينما يتعامل الغرب مع مأساة أوكرانيا بمقاييس أخلاقية حادة، يبدو أنه “ينزع تلك المقاييس عندما تكون الضحية فلسطينية”. ويختتم بقوله إن العالم بحاجة إلى “موقف حازم ينهي معاناة الملايين” بدل التلاعب بازدواجية المعايير.
وفي باريس، ظهرت أزمة أخرى، لكن في معسكر أنصار إسرائيل أنفسهم. فقد كشفت صحيفة ليبراسيون الفرنسية أن حزب “التجمع الوطني اليميني” بزعامة مارين لوبان يعاني انقسامات داخلية بعد دعمه المطلق لإسرائيل. حيث تشير الصحيفة إلى أن لوبان، ورغم تنديدها الأخير بقصف كنيسة في غزة، إلا أن موقفها بدا “متأخرًا جدًا ومحسوبًا بعناية”. وترى الصحيفة أن هذا “الموقف، رغم تأخره، يُعد سابقة في اليمين المتطرف الفرنسي” الذي طالما صمت أمام جرائم تل أبيب.
وهكذا، تتكامل الصورة: إسرائيل تُمارس التطهير العرقي في غزة تحت أنظار العالم، بينما يعاني الضمير الإنساني من ازدواجية قاتلة.
