لم تكن العلاقة بين نظام عفاش والبحر الأحمر عفوية على الإطلاق، إذ إن وصول صالح إلى السلطة كان نتيجة لدور مشبوه في المياه اليمنية والدولية. فقد ارتبط اسمه منذ البداية بتهريب الكثير من الممنوعات، وعلى رأسها المشروبات الكحولية عبر ميناء المخا، مستغلاً سلطته حين كان قائداً للواء تعز إبان حكم الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.
وبالحديث عن الرئيس الحمدي، فإن إعلام صالح وزبانيته كانوا يشوّهون تاريخه ويتهمونه بإشاعة الخمور وتشريع الاتجار بها، وهذه كلها مغالطات مكشوفة. فلو كان الحمدي قد شرعن للخمور، لدخلت البلاد بصورة رسمية، ولما اضطر صالح إلى إدخالها سراً عبر ميناء المخا.
لكن الكارثة لم تقف عند هذا الحد، إذ إن وجوده على رأس منفذ بحري يطل على باب المندب جعله هدفاً للتجنيد من قبل الكيان الصهيوني، الذي كان يطمح إلى تأمين ملاحته من الهجمات الفلسطينية في المنطقة. فقد كانت المقاومة الفلسطينية تمارس واجبها الجهادي من الأراضي اليمنية بضوء أخضر من الرئيسين عبد الرحمن الإرياني وإبراهيم الحمدي.
وبسبب الأهمية القصوى لباب المندب، عمل الكيان، وعبر حلفائه في الرياض، على تدبير انقلاب دموي أطاح بالرئيس الحمدي، ليضمن تأمين الملاحة الإسرائيلية على يد حكام جدد يأتمرون بأوامر السفارة السعودية، كالغشمي وصالح. ومنذ ذلك الحين انتهى دور المقاومة الفلسطينية في باب المندب إلى الأبد، وتحولت المياه الإقليمية اليمنية إلى مناطق آمنة للصهاينة، ولأول مرة منذ أحد عشر عاماً.
وقد سبق ذلك إرسال إسرائيل لجاسوسها “باروخ زكي مزراحي” مطلع السبعينيات لدراسة الوضع الجيوسياسي في اليمن تمهيداً لتدخلات محتملة تنهي الدور اليمني المساند للقضية الفلسطينية، وهو ما لم يتحقق إلا مع وصول عفاش إلى السلطة عام 1978.
وخلال فترة حكمه الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود، وهي الأطول لحاكم يمني في العصر الحديث، مارس عفاش أدواراً مشبوهة في المياه الإقليمية، خدمة لمصالح قوى صهيونية أو حليفة لها، مقابل مصالح شخصية تخصه وتخص أفراد عائلته.
ففي الفترة بين عامي 2008 و2011، ومع صعود القرصنة الصومالية إلى ذروتها، تحولت الموانئ اليمنية إلى مراكز عبور رئيسية للوقود والأسلحة المتجهة نحو الصومال. وقد أشارت تقارير دبلوماسية إلى وجود تساهل، وأحياناً تواطؤ مباشر، من مسؤولين في حكومة صالح مع شبكات تهريب مرتبطة بالقراصنة. وبرز هذا الدور بشكل خاص في ميناء عدن وميناء المخا، حيث فرض رموز النظام هيمنتهم العسكرية على النشاط البحري.
وفي عام 2019، كشفت تحقيقات بريطانية عن صلة نظام صالح بحادثة ناقلة النفط Brillante Virtuoso عام 2011، والتي تعرضت لهجوم تدميري من قبل قراصنة صوماليين. وتبيّن لاحقاً أن عملية إحراق السفينة جرت بمشاركة عناصر من خفر السواحل اليمني وبتوجيهات من جهات عليا في الدولة. وقد حاول إعلام صالح تبرئة النظام من الجريمة بالزعم أن الفساد المستشري في مؤسساته الأمنية والعسكرية هو ما سمح باستغلال بعض العناصر الرسمية لتنفيذ مثل هذه العملية.
إضافةً إلى ذلك، ثبت أن نظام صالح كان مسؤولاً عن تهريب كميات من الأسلحة إلى الصومال، عُثر على بعضها لاحقاً بحوزة حركة الشباب. وأظهرت التحقيقات الأممية أن مصدر هذه الأسلحة يعود إلى مخازن وزارة الدفاع اليمنية إبان حكم عفاش.
كما أن بحريته كانت تقدم خدمات مدفوعة لشبكات التهريب والقراصنة، من بيع الوقود وقطع الغيار إلى تزويدهم بمعلومات عن حركة السفن. ورغم أن هذه الشبكات لم تمارس القرصنة التقليدية، فإنها شكّلت حاضنة لوجستية مهمة لمصالح القراصنة الإقليميين.
ويرى عدد من المحللين أن صالح لم يتردد في توظيف الفوضى البحرية كأداة سياسية، إذ كان يلوّح بتهديد القرصنة وعدم الاستقرار البحري لابتزاز المجتمع الدولي واستجلاب المزيد من الدعم والتمويل تحت شعار مكافحة الإرهاب والقرصنة.
ورغم كل هذا التورط في تهديد الملاحة الدولية، إلا أن نظام صالح، وعلى مدى 33 عاماً، لم يجرؤ على تهديد الملاحة الصهيونية على الإطلاق. بل اقتصر ابتزازه على أطراف أخرى لا تشكل خطراً عملياً على حكمه كدول آسيوية وأفريقية. ولا يُستبعد أن يكون ذلك الدور المشبوه قد تم بتنسيق وتوجيهات صهيو-أمريكية، وهو ما يتجلى اليوم في واقع ميناء المخا، حيث يدير أفراد أسرته، وبدعم غربي، نشاط الميناء لحماية الملاحة الصهيونية من جهة، وتنفيذ مهام مشبوهة لخدمة أعداء اليمن من جهة أخرى.