المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    العفو الدولية: أدلة متراكمة تُثبت ارتكاب “إسرائيل” إبادة جماعية في غزة

    أعلنت منظمة العفو الدولية، اليوم الأربعاء، أن تراكم الأدلة...

    ثورة 21 سبتمبر.. عقد من التحرر والصمود وبناء قوة ردع

    تأتي الذكرى الحادى عشر سنة لثورة الـ21 من سبتمبر...

    بدلاً من قمم العار.. أرسلوا أسلحتكم إلى صنعاء

    قمة الدوحة الأخيرة أضافت عارًا جديدًا إلى سجلّ القمم...

    بدلاً من قمم العار.. أرسلوا أسلحتكم إلى صنعاء

    قمة الدوحة الأخيرة أضافت عارًا جديدًا إلى سجلّ القمم العربية الشكلية العقيمة. حتى عندما يكون المستهدف نظامًا خليجيًا حليفًا للغرب وللصهيونية ويعمل كوسيط بين المسلمين واليهود، تبقى الشوفينية الصهيونية أقوى من أي اعتبار أخلاقي؛ فهي ترى العالم وسكانه ملكًا مباحًا لأحفاد بني إسرائيل. وبموازاة ذلك، تزامن انعقاد القمة مع قرار احتلال مدينة غزة، مما كشف أن ما جرى في الدوحة كان أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي؛ كان ترويحًا عن النفس لحكامٍ استأسدوا على شعوبهم وخانعوا أمام العدو الخارجي المتربص بالأوطان.

    ومن هذا المنطلق، يصبح من الواضح أن هؤلاء القادة يرفضون الاعتراف بهزيمتهم، ويصرّون على تبنّي لغة الغطرسة والكبرياء عند مخاطبة الأمة الإسلامية، بينما يزدري المواطنون وقضاياهم. وفي المقابل، يبرز الشعب اليمني كخطّ دفاعٍ أصيل عن حمى المسلمين، فلا مكان للمناورات السياسية أمام وقفةٍ شعبيةٍ تحمل صفة المصير والكرامة.

    لو كانت لهم إرادةٌ حقيقية، لكان الأجدر بهم أن يقفوا بوضوح إلى جانب الشعب اليمني وثورته المباركة، وأن يمدّوه بالدعم الفعلي، لا بالكلام الفارغ. لقد كدّسوا أسلحةً وترساناتٍ منذ عقودٍ لقمع شعوبهم أو لتكون لاحقًا هدفًا لطائرات العدو، كما شهدنا في دمشق وبغداد. وبدل أن تظل هذه الترسانات وسيلةً للقمع أو غرفًا لتخزين المال، كان يجب تحويلها إلى دعمٍ للمقاومة التي تُثبت يومًا بعد يوم أنها حامية حمى الأمة.

    في كل مرة تعصف الأزمة بالأمة، يهرول القادة إلى عواصمهم لعقد قمةٍ جديدة، تتكرر فيها المشاهد ذاتها: اجتماعات رسمية، خطابات رنانة، وبيانات ختامية تندّد وتستنكر. لكن هذه الشعارات سرعان ما تتبخّر، فيما يبقى الواقع على حاله دون تغيير. لقد أظهرت القمم فشلها الذريع في تحقيق أي نصرٍ أو صدّ عدوانٍ، فصارت مسرحيةً مملة تُكرّس خيبة الأمل وتزيد الأمة وصمةً وعارًا.

    ولا يخفى أن المأساة الكبرى تكمن في امتلاك هذه الأنظمة لترساناتٍ عسكرية ضخمة بمليارات الدولارات تُستخدم داخليًا لقمع الشعوب أو تُترك لتصبح فريسة لطائرات العدو. كان الأجدر أن تُرسَل هذه العتاد إلى جبهات المقاومة، وأن تُمنح للشعوب التي تكافح دفاعًا عن كرامة الأمة، بدلاً من أن تُستَهلَك في تسليح حملات القمع الداخلي.

    وبناءً على ذلك، فإن الشعوب العربية لا تحتاج إلى قممٍ فاشلة، بل إلى أفعالٍ حقيقية. ليست كلمات الشجب وحدها كافية؛ الأمة اليوم تطلب خطوات عملية: دعم ملموس، أدوات تُحوّل الصرخات إلى قدرةٍ ردعية، وتحويل اليأس إلى أملٍ وانتصار. إن الخطة العملية يجب أن تفوق الشعارات الزائفة لتصنع واقعًا جديدًا يمكنه ردع الطغيان.

    وإذا أخفقت الأنظمة العربية في تحمّل مسؤولياتها، فسيحملها التاريخ وزر تقاعسها. لذلك من الضروري أن تعيد حساباتها، وتضع الشعب اليمني في قلب تحرّكاتها، وتفتح قنوات ضغط سياسية ودبلوماسية حقيقية لإيقاف العدوان. فبدل أن تتسابق بعض العواصم لتكون وسطاءً بلا شرعية أو فعالية، كان لزامًا عليها أن تتبنّى موقفًا متحدًا وعمليًا يحقق الحدّ الأدنى من العدالة.

    أما الخزي، فهو ليس فقط على المعتدي، بل على من يُغلق عينيه ويستبدل الفعل بالكلام. والشعب اليمني أثبت عمليًا أنه حامي حمى الأمة، ولذلك المطلوب اليوم من كل شريفٍ أن يقف إلى جانبه بوعيٍ ومسؤولية سياسية. والأفضل أن يُدفع الدعم إلى صنعاء قبل أن تجتثّه ضربات العدو، إذ إنّ استهدافًا كهذا يبيّن أن العملاء في أي عاصمةٍ قد لا ينجون من قرار الاستباحة الصهيوني، وما رأيناه في الدوحة قد يتكرر في عواصم التطبيع الأخرى كالرياض وأبوظبي.

    وأخيرًا، يؤكّد الواقع أن الشعب اليمني لا يحتاج إلى وصايةٍ من الأنظمة أو شعاراتٍ جوفاء؛ إنه في مساره الصحيح، وسيواصل حتى النهاية لأن العزّة والكرامة ليستا بندًا تفاوضيًا بل خيار حياة ومبدأ. أما الخاسر الحقيقي في هذه المعادلة فهو من فقد رجولته وبيع قضيته بأثمانٍ واهنة، لأن من يملك الحق لا يخشى المواجهة مهما بدا الفرق في العتاد والتسليح.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img