كيان العدو الصهيوني يرتكب أبشع المجازر بحق المسلمين في غزة ويعتدي على لبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران، حتى وصل إلى دولة قطر مستهدفاً وفد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” المفاوض، ولرفع العتب قرر العرب الدعوة لعقد “قمة عربية إسلامية استثنائية” قيل أنها ستكبح جماح الإجرام الصهيوني الطاغي والمتصاعد في المنطقة.
وتوقع المنجمون اجراءات عربية وإسلامية غير مسبوقة منذ وعد بلفور واحتلال بريطانيا للأراضي الفلسطينية وتمكين الصهاينة من احتلالها بحلول العام 1948 لكن تمخض الإجتماع عن بيان لا يساوي حتى الحبر والورق الذي كتب عليه، فلا استدعاء لسفراء الكيان وأمريكا المشاركين في العدوان على قطر والدول العربية لدى بعض الدول المطبعة، كما هو الحال إزاء تصريح مسؤول لبناني بعبثية حرب السعودية على اليمن، ولا قطع للعلاقات، ولا حتى تعليقها، ولا كسر حصار غزة وإمداد الشعب المسلم هناك بالدواء والغذاء والماء، ولا حتى أي مساعي لإيقاف المذبحة التي تخطت 200 ألف شهيد وجريح.
بل أن البيان الختامي أشاد بنهج الاستسلام والخضوع وقدمه على أنه الموقف “الحضاري والحكيم والمسؤول الذي انتهجته قطر في تعاملها مع هذا الاعتداء الغادر”، وحث البيان الختامي للقمة المجتمع الدولي على إدانة التهديدات الإسرائيلية “بأشد العبارات”، فقط “أشد العبارات”.
وبينما يذبح أهل غزة ويسحقهم الكيان تحت الركام، لم ينسى البيان إعادة تدوير أحلام السلام وحل الدولتين على حدود 67 وإقامة دولة فلسطينية عاصمة القدس الشرقية الخاضعة للوصاية الهاشمية التاريخية تحت إدارة وزارة الأوقاف الأردنية، وربما للخجل لم يذكر البيان كوارث إقامة دولة بلا دولة، فلا جيش، ولا قوات أمن، ولا جغرافيا مترابطة، ولا مطار، ولا ميناء، ولا أي مقومات للدولة، ولا نبالغ إن قلنا وبلا شعب، فالتهجير يسري على قدم وساق وأخطر منه المساعي السعودية لإلغاء توصية الجامعة العربية الذي لايزال سارياً منذ خمسينيات القرن الماضي، والداعي بعدم تجنيس الفلسطينيين بجنسية أي بلد عربي، -لكن- حتى هذا ليس أخطر مما كشفه “إعلان نيويورك” مؤخراً عن حل الدولتين والذي توعد معرقلي حل الدولتين بإجراءات “مستهدفة” ومن الخيال أن يكون المستهدف يهودياً فهو فوق القانون وفوق كل استهداف، ما عدا “أشد العبارات”، بل ستنزل على رؤوس المقاومين العرب والمسلمين، والمقصود حرفياً هو تحالف دولي -سعودي أوروبي تحديدا- لتصفية فصائل المقاومة ومحور المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وتجريدها من السلاح وعناصر القوة تحت أحلام السلام ووعود تنفيذ القرارات الدولية بحل الدولتين -والذي يرفضه الكيان وعرقلت مساعيه أمريكا بأكثر من 40 فيتو- وعود بالقوة الموجهة والمستهدفة حصراً للمقاومين العرب والمسلمين وبالعبارات والهدار والألفاظ على الكيان وداعميه.
حضور بالوكالة وقمة الشرق الأوسط الكبير
هذا ما حملته القمة وبيانها ولم يتبقى سوى حضور وانضمام الكيان العِبري وتغيير مسمى القمة العربية والإسلامية إلى قمة الشرق الأوسط الكبير تماشياً مع المشاريع الصهيونية، ولئن لم يحضر بالإسم، يؤسفنا بالفعل القول أيضاً أن الكيان حضر عبر عملاءه الذين نددوا بإسناد القوات المسلحة اليمنية وشعب اليمن لإخوانهم في غزة وفلسطين واعتبروا العمليات البحرية لحصار الكيان تهديد لأمن الملاحة العالمي كما ورد عبر رشاد بنيامين العليمي المنتحل لصفة رئاسة الجمهورية اليمنية، إلى جانب عيدروس سموتريتش الذي استضاف وفود صهيونية في الجنوب اليمني لتقييم ما يلزم جبهات اليمن لتحريرها من أهلها والقضاء على المقاومة في اليمن بتحالف دولي واسع، وهو ما دعى له “طارق بن غفير” حارس تل أبيب في الساحل الغربي لليمن وأحد النواب السبعة، في توجه رسمي يرعاه المجلس الرئاسي المفروض سعوديا بقرارات الديوان الملكي السعودي على الجمهورية اليمنية.
وكما كانت كذبة “كولن باول” بمزاعم اثباتات حيازة العراق على أسلحة دمار شامل، يطل معمر هرتسوغ الإرياني كل يوم بمزاعم امتلاك القوات المسلحة اليمنية -بمساعدة من خبراء سلمان الفارسي- لمجمعات صناعية سرية للأسلحة الكيماوية والبيلوجية المحرمة دوليا، وهي مقدمات لمسرحيات تبرير التحالف الدولي على اليمن، وإشارة إلى ما يُحضَّر لغدٍ قريب باسم القانون الدولي، فيما هو في الحقيقة شريعة الغاب.
قمةٌ استثنائية بالاسم، عادية بالمضمون، أعادت تدوير مفردات الشجب والاستنكار و”أشد العبارات”، وثبّتت وهم “السلام” على مقاس كيانٍ يرفضه ويستمدّ غطرسته من حصانة أمريكية لا تنضب. لم تردع القمةُ العدوان، ولم تفكّ حصارًا، ولم تُسعف طفلًا بحبة دواء واحدة؛ لكنها فتحت الباب لتحالفات “مستهدِفة” تُشهر سلاحها في وجه المقاومة وتُشهر البلاغة في وجه القتلة. تلك هي الخيبة، بيانٌ بلا مخالب أمام ذئبٍ ينهش لحم المنطقة، وواقعٌ يُساق فيه العرب من الاستثناء المزعوم إلى الاعتياد المقيت، حتى إشعارٍ آخر.
نبض الشعوب والمقاومة: ما بعد الورق
في مقابل قاعات القمة وبياناتها، تتكفّل الشوارع العربية والإسلامية ومقاوماتها وصوتها الحي بقول ما عجزت عنه المنصّات الرسمية: حملات تضامن، مقاطعة اقتصادية، ضغط قانوني وإعلامي، وعمليات تنبض المقاومة والحق الفطري والإنساني، وتأكيد أن ما انتزع بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وحراسةٍ للذاكرة كي لا يُطوَى جرح غزة. والمقاومة—في فلسطين ومن يسندها— وأشلاء أطفال ونساء غزة ليست موسمًا خطابـيًّا ولا رهينة لإملاءات العواصم، بل تعبيرٌ عن حقٍّ أصيل في دفع العدوان ورفض بيانات الإستسلام والإخضاع. لذلك تبدو كل محاولةٍ لتجريدها من أدوات الصمود تحت لافتة “السلام” مجرّد التفافٍ على أصل المشكلة: احتلالٌ يطلب أمْنَهُ في انكسار الضحية. وكلّما تمدّد العجز الرسمي، اتسعت خرائط الفعل الشعبي وتكثّفت شبكات الدعم، فيما يتهاوى “الحلّ” المكتوب على الورق عند أوّل احتكاكٍ بحقيقة الدم والحصار. أمّا البيانات التي كان أقصاها كلمات منمّقة، فتظلّ عاجزةً عن ردّ رصاصة، ولا تمنع مجزرة، ولا تُطفئ حريقًا؛ لأنّ ما يوقف القتل ليس بلاغة الشجب، بل إرادة الشعوب وحقّها المشروع في الحياة والحرية والكرامة.
ــــــــــــــــــــــــ
المحرر السياسي
المشهد اليمني الأول
26 ربيع الأول 1447هـ
18 سبتمبر 2025م