المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الجود بالنفس أسمى غاية الجود

    ماذا عسانا أن نقول في من اصطنعهم اللهُ لنفسه،...

    الخوف على التهدئة غطاءٌ لاستمرار العدوان

    وقف إطلاق النار: أدَاة لتعليق الجهاد ومقاومة الاحتلال وغطاء...

    من الفاشر إلى الساحل الغربي يتكرر المشهد وتتشابه الجريمة والمجرم

    في السودان اليوم تغتصب النساء على مرأى من ذويهن...

    الجود بالنفس أسمى غاية الجود

    ماذا عسانا أن نقول في من اصطنعهم اللهُ لنفسه، وأخلصهم لدينه ولعباده، وأنعم عليهم بما لا يُحصى من العِزّة والكرامة، والفوز العظيم، والمقام الحميد، والعُلوّ والرفعة، والضيافة الكريمة، والخلود الأبدي في منازل الملائكة والنبيين؟ حسنٌ أُولئك رفيقًا، في جنات عدن، ومقعد صدق عند مَلِكٍ مقتدر.

    هل بعد قول الله تعالى قول؟

    في الذكرى السنوية للشهداء العظماء الأكارم، الأجوَدِين، نستحضر قولَه سبحانه:

    ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].

    وما سنسطره هنا في هذه الأسطر لا يُوافي حقّهم، ولا يبلغ عشرَ معشار ما هم فيه، ولا ما يليق بمقامهم ومكانتهم.

    فالحديث عن عظمة الشهداء هو حديث عن أسمى أشكال البذل والتضحية، وعن قمّة الجود والكرم: أن تكون النفسُ، والروحُ الطاهرة، رخيصةً في سبيل الله، فداءً لعزة الأُمَّــة وكرامتها.

    الشهيد ليس مُجَـرّد رقمٍ يُضاف إلى سجل الشرف، بل هو عهدٌ ووفاء، وإيثارٌ وتضحية، يصنع التاريخ، ويُرسّخ مبادئ القيم الإنسانية، ويُشعل نورًا يهتدي به الأجيال.

    دمه يروي شجرة الحرية، وروحه تظلّل دروب الكرامة.

    عظمة الشهداء بين الواقع والخلود

    إن عظمة الشهيد لا تكمن فقط في لحظة الاستشهاد، بل في المسيرة الجهادية التي سبقتها، والإرث الذي خلّفه من بعدها، المستمد من رؤيةٍ إيمانيةٍ عميقة، تتجلى في:

    أولًا: اختيار الموت الكريم على الحياة الذليلة

    الشهيد هو ذلك الإنسان الذي يرفض أن يعيش مرغَمًا، أَو أن يموت صغيرًا.

    هو صاحب الحسّ اليقظ، الذي يجعل من نفسه شعلةً تُنير درب الآخرين.

    كما قال الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – سلام الله عليه -: “يختار بإرادته أن يقدّم روحه في أعلى مراتب العطاء، مفضّلًا الموت والفناء؛ مِن أجلِ أن يهب الآخرين الحياة.. بعزةٍ وكرامة”.

    ثانيًا: تلبية نداء الله، والفطرة، والوطن

    الشهيد باع نفسه لله، وأوفى بعهده معه، مستجيبًا لقوله تعالى:

    ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ..

    وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111].

    وهو ابن الأرض البار، الذي يسمع تراب وطنه يئنّ تحت وطأة الاحتلال أَو الظلم، فيُجيب النداء بكل ما يملك، حتى روحه.

    ثالثًا: تحقيق معنى الحياة الحقيقية

    الحياة ليست مُجَـرّد عددٍ من السنين، بل هي قيمٌ وتضحيات.

    الشهيد يعيش عمرًا قصيرًا في زمن الدنيا، لكنه يخلّد وجوده في زمن القيم والمبادئ.

    لقد فهم أن الحياة الحقيقية هي التي تُفتدى؛ مِن أجلِ شيءٍ عظيم، لا التي تُعاش بلا هدفٍ ولا كرامة.

    حياتهم الخالدة: سرٌّ لا يفنى

    قال الله تعالى: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

    فهل بعد هذا التصوير الإلهي كلامٌ يُضاهيه في عظمة تصوير حياة الشهداء بعد استشهادهم؟ إنها حياةٌ أبديةٌ روحيةٌ عند ربهم، لا يعلم كُنهها إلا الله، يسبحون في رياض الجنة، وينعمون برضا الرحمن، ويذوقون لذّة الشهادة التي لا تُقاس بأي لذّةٍ دنيوية.

    لكن خلودهم لا يقتصر على جوار الله فحسب، بل يمتدّ ليشمل:

    الخلود في ضمير الأُمَّــة: فالشهيد لا يموت في قلوب أهله وشعبه.

    يصير اسمه نشيدًا يردّده الأطفال، وقصةً ترويها الأُمهات، ومثالًا يحتذيه الشباب.

    هو حاضرٌ في كُـلّ لحظة عزّ، وكل مناسبة وطنية، وكل مشهد بطولة.

    الخلود في التاريخ: دمُ الشهيد هو حبرٌ يُكتب به تاريخ الأمم.

    وهو الشعلة التي تشعل الثورات، والوقود الذي يحرّك مسيرة النضال والحرية.

    فكلّ شهيدٍ يخلق من بعده آلافَ الشهداء، وكلّ قطرة دمٍ تسقي بذور المقاومة والصمود.

    الخلود في تراب الوطن: يصبح الشهيد جزءًا من جغرافيا وطنه.

    تُسمّى الشوارع والميادين والمدارس باسمه، فيتحوّل إلى مَعلَمٍ خالدٍ يشهد على عظمة التضحية، ويذكّر الأجيال بأن الحرية لم تُوهَب، بل اشتُريت بدماءٍ زكية.

    خاتمة: رسالة وفاء ومسؤولية

    إلى أرواح الشهداء العظماء الطاهرة، يا من صنعتم المجد والعِزّ والكرامة بدمائكم، ورفعتم رؤوسنا وبيضتم وجوهنا بأشلائكم: أنتم لم تموتوا، بل تحولتم من جسدٍ فَــإنَّ إلى رموزَ خالدة، ومن دمٍ يسيل إلى تاريخٍ يُروى، ومن نفسٍ تُزفّ إلى قُدوة تُهتدى بها.

    إن الأُمَّــة التي تنجب الشهداء هي أُمَّـة حيّةٌ لا تموت، والأرض التي تُروى بدمائهم هي أرضٌ طاهرةٌ لا تذلّ.

    فطوبى للشهداء الذين رحلوا بأجسادهم، لكنهم عاشوا بأرواحهم فينا، ليكونوا شموسًا تضيء درب الحرية إلى الأبد.

    سلام الله عليهم، وهنيئًا لهم بما فازوا! يا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزًا عظيمًا.

    وفي هذه المناسبة، ننتهز الفرصة لنوجّه عظيم الشكر والامتنان إلى كافة أسر الشهداء الأكارم، ونقول لهم: أنتم الأوفياء، والمؤمنون الصادقون مع الله ومع أنفسكم.

    ونحن – بإذن الله – سنبادلكم هذا الوفاء، وندعو جميع شرائح المجتمع إلى تحمل المسؤولية، وصون عهد الشهداء، وحفظ دمائهم، والسير على دروبهم.

    ولا ينبغي أن نترك هذا الواجب كله على عاتق الجهود الرسمية وحدها، بل يجب أن يتكاتف الجميع: ينفقون، ويُعينون، ويشدّون أزر الهيئة العامة لأسر الشهداء جنبًا إلى جنب.

    ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    طوفان الجنيد

    spot_imgspot_img