إن الناظِرَ بعين البصيرة إلى مسار العدوان يدركُ أن حربَ الإبادة لم تتوقف يومًا، بل تبدّلت أدواتها من قذيفةٍ تنفجر إلى دولارٍ مسموم يبتزّ الإرادَة.
فبعد أن سقط رهان أمريكا وحلفائها على الحسم العسكري المباشر أمام قوة الردع اليمنية، انتقل الثقل إلى جبهةٍ جديدة: جبهة الإغاثة والمنظمات الأممية.
إن التصعيد الغربي الأخير ضد صنعاء، تحت دعاوى «القلق الإنساني»، هو في جوهره محاولة قذرة لكسر الهدنة التي أُجبر العدوّ عليها، وذلك عبر بوابة التجويع والابتزاز.
إن هذا التكتيك ليس جديدًا على قوى الاستكبار.
إنه يهدف إلى إحداث اختراق سياسيٍ وأمنيٍ تحت غطاءٍ إنساني، لتعويض الفشل الميداني الذريع.
إنهم يسعون لتوظيف احتياج شعبنا للبقاء كأدَاة لتقييد قراره السيادي، خَاصَّة بعد أن كشفت إجراءات الرقابة عن شبكات التجسس والتواطؤ التي تعمل تحت مظلّة الإغاثة.
هذا المسعى المشبوه هو مصداق لقول الإمام علي (عليه السلام): «الْحَقُّ جَدِيدٌ وَإِنْ طَالَ اسْتِعْمَالُهُ، وَالْبَاطِلُ قَدِيمٌ وَإِنْ سَاعَدَ عَلَيْهِ الصَّيَالُ».
فحقنا في السيادة جديد وقوي، بينما باطلهم، وإن تجمّل بزيف الإغاثة، يبقى قديمًا مهزومًا.
إن التوقيت الحالي لحملة الضغط الغربي يرتبط ارتباطا وثيقًا بتأثير عمليات البحر الأحمر المباركة.
فإجبار العدوّ على الدخول في مفاوضات حول الملف الاقتصادي وصرف المرتبات كان نتيجةً مباشرةً لقوة الردع المتصاعدة التي باتت تهدّد مصالح أمريكا وحلفاءها الإقليميين والدوليين.
اليوم يحاولون عبر الأمم المتحدة والإغاثة أن ينزعوا ثمن انتصارنا العسكري، ويساوموا على المكاسب التي تحقّقت بالدم والتضحية.
إنهم يريدوننا أن نُسلِّم بالحصاد مقابل فتات، وهو ما يتنافى مع كرامتنا وإيماننا.
إن هذا الابتزاز لن يمرّ؛ لأَنَّنا نعي خطورة استخدام الجوع كسلاح لتمرير الأجندة.
لقد جاء وعد الله واضحًا: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 40).
ونصرنا اليوم يتجسّد في الصمود الاقتصادي والسياسي، ورفض أي وصاية تنتقص من قرارنا الوطني.
على القيادة والثوّار أن يدركوا أن أية محاولة لتفكيك الهُدنة من البوابة الإنسانية هي محاولة لإعادة ترتيب صفوف العدوان واستئناف الحرب بأشكال أشدّ خبثًا.
إنّ الردّ على الضغوط يجب أن يكون بمزيدٍ من التشدّد في المطالب الأَسَاسية: رفع الحصار كليًّا، وصرف المرتبات من عائداتنا النفطية دون قيدٍ أَو شرط، وإسقاط أية ملفات تجسُّس تم تمريرها عبر الغطاء الأممي.
إن هذا الشعب الذي فاجأ العالم بصمودِه العسكري سيفاجئه بثباته السياسي الذي يستمدّ قوته من توجيهات القرآن الكريم ومنهج أهل البيت (عليهم السلام).
إننا لسنا هواة حرب، ولكننا لن نساوم أبدًا على كرامةِ يمنِ الإيمان.
