كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في “تقرير جديد” عن تحركات عربية ودولية محمومة خلال العامين الماضيين لإقناع صنعاء بوقف عملياتها العسكرية في البحر الأحمر، والحد من هجماتها المساندة للمقاومة الفلسطينية في غزة، لكن الرد اليمني جاء حاسماً ورافضاً لأي تهدئة مشروطة.
وبحسب الصحيفة، فقد قاد مسؤولون من قطر ومصر والسعودية اتصالات مباشرة وسرّية مع قيادات صنعاء في محاولة لإقناعها بوقف استهداف السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي ووقف العمليات الجوية على العمق الفلسطيني، غير أن صنعاء تمسكت بموقفها الثابت: “لا وقف للعمليات قبل وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة”.
ونقلت الصحيفة عن الدبلوماسية السابقة في الأمم المتحدة “أبريل لونغلي آلي” قولها إن القيادة اليمنية تؤمن بواجبها الديني والإنساني في نصرة فلسطين، ولن تتراجع عن ذلك مهما كانت الضغوط، مؤكدة أن هذا الموقف “ليس سياسياً ظرفياً بل عقيدة ومبدأ راسخ”.
وأكد التقرير أن التحركات العربية جرت بتنسيق مباشر مع واشنطن، إذ أعلن البيت الأبيض صراحة أنه “يعمل مع شركائه الإقليميين لتأمين الممرات البحرية وإضعاف قدرات الحوثيين”، في إشارة إلى الدور المحوري الذي باتت تؤديه عمليات صنعاء البحرية في شل الملاحة الإسرائيلية وفرض معادلات ردع جديدة غير مسبوقة.
وأشار التقرير إلى أن القاهرة استضافت قيادات يمنية مرات عدة لبحث مقترحات التهدئة، لكنها تلقت رداً حازماً من صنعاء مفاده أن “أي مبادرة لا تتضمن وقف جرائم الحرب في غزة لن تُبحث أصلاً”.
وتؤكد وول ستريت جورنال أن صنعاء وجّهت تحذيرات صريحة إلى دول عربية وغربية من مغبة المشاركة في أي عمل عسكري أو استخباري إلى جانب الكيان الصهيوني، وهو ما فُسّر على أنه جزء من سياسة ردع إقليمية جديدة فرضت واقعاً مغايراً في البحر الأحمر، بعدما تحولت اليمن من موقع “الهامش” إلى مركز الفعل والتأثير الإقليمي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن “اليمن بات التحدي الاستخباري الأخطر لإسرائيل بعد إيران”، مشيرين إلى أن انتقال صنعاء من دولة محاصرة إلى قوة مؤثرة أربك حسابات تل أبيب والعواصم الغربية.
وفي موازاة ذلك، رصد التقرير تصاعد مكانة قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي في الوعي العربي والإسلامي، حيث رفعت صورُه في مظاهرات إسطنبول وتونس وطهران ولندن وباريس، كأحد رموز المقاومة الذين واجهوا المشروع الصهيوني علناً، فيما أظهرت استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن اليمن تصدّرت قائمة الدول الأكثر شعبية في دعم القضية الفلسطينية.
ويرى المراقبون أن ثبات الموقف اليمني رغم كل الإغراءات والضغوط، عرّى مواقف أنظمة عربية هرولت نحو التطبيع، وكرّس صورة صنعاء كـ قوة إقليمية مبدئية تتحرك وفق مشروع تحرري لا وفق صفقات مؤقتة.
ويخلص المحللون إلى أن اليمن اليوم أصبح رقماً صعباً في معادلة الأمن الإقليمي، وأن صوته لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات تخص مستقبل الصراع في المنطقة، بعدما نجحت صنعاء في كسر الحصار، وتغيير معادلات الردع، وكسب تعاطف الشعوب الحرة من الرباط إلى جاكرتا.
من صنعاء إلى غزة.. ومن البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، تتشكل اليوم معادلة جديدة عنوانها: من يواجه “إسرائيل” لا يُعزل، بل يُحترم.
