تبدو الولايات المتحدة مقبلة على مواجهة سياسية غير مسبوقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعمدة الجديد لمدينة نيويورك زهران ممداني، في معركة تعكس الاستقطاب الحاد داخل المجتمع الأميركي، وتعيد رسم مشهد الصراع بين التيارين اليميني المحافظ والتقدمي اليساري في البلاد.
في تقرير لصحيفة تايمز البريطانية، رُسمت ملامح المعركة المرتقبة، وُصفت بأنها أخطر مواجهة داخلية منذ عقود، ليس لأنها تدور حول ملفات اقتصادية أو اجتماعية فحسب، بل لأنها تجمع رمزين متناقضين لأميركا الحديثة: ترامب، الملياردير الشعبوي الذي يحكم من منطلق القوة والهوية القومية البيضاء، وممداني، العمدة الشاب المسلم من أصول جنوب آسيوية الذي صعد من الطبقة العاملة ليصبح رمزًا لليسار التقدمي الجديد.
وقالت الصحيفة إن زهران ممداني (34 عامًا)، الذي عمل سابقًا مستشارًا للإسكان، أصبح الوجه الجديد للحزب الديمقراطي، في وقتٍ تعيش فيه المعارضة أزمة قيادة بعد تراجع شعبية الجناح التقليدي. وأشارت الكاتبة كاتي بولز إلى أن ممداني يمثل “جيلًا سياسيًا جديدًا يتحدّى المنظومة الليبرالية القديمة من داخلها، ويواجه ترامب بخطاب شعبي اجتماعي جذري”.
الفارق بين الرجلين صارخ:
ترامب القادم من عالم المال والترف في مانهاتن يرمز إلى “أمريكا الشركات”، بينما ممداني القادم من أحياء الكادحين يدعو إلى تجميد الإيجارات، وفرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء والشركات الكبرى، وتوسيع الإسكان الميسّر.
واستفاد ممداني -بحسب التقرير- من حالة الغضب الشعبي ضد السياسات الفيدرالية، مقدّمًا نفسه كـ “عدو ترامب الأول في الداخل الأميركي”، مهاجمًا خصومه في الحزب الديمقراطي ممن يتعاونون مع نفس الممولين الذين دعموا الرئيس السابق.
وردّ ترامب بحدة، واصفًا ممداني بأنه “شيوعي وكاره لليهود”، فيما شنّت وسائل إعلام يمينية حملات تشويه منظمة، وصوّرت صعود أول عمدة مسلم لنيويورك على أنه “تهديد للقيم الأميركية”، في محاولة لاستنهاض قاعدة “ماغا” المؤيدة لترامب.
وتوضح الصحيفة أن المعركة لا تقتصر على الخطاب السياسي، بل تمتد إلى ملفات جوهرية تتعلق بـ الضرائب والهجرة والأمن. فممداني يعارض بشدة سياسات طرد المهاجرين، ويتعهد بتعزيز حماية “مدن الملاذ الآمن”، ووقف التعاون مع وكالة الهجرة والجمارك الأميركية. في المقابل، هدّد ترامب بـ خفض التمويل الفيدرالي لنيويورك، الذي يبلغ أكثر من 8 مليارات دولار سنويًا، كوسيلة للضغط السياسي والاقتصادي.
وبحسب الصحيفة، لم يُبدِ ممداني رغبة في التصعيد، بل أرسل رسائل تعاون مشروطة إلى ترامب عبر قناة “فوكس نيوز”، مؤكدًا أنه “يسعى لبناء شراكات في واشنطن لخفض تكاليف المعيشة”. لكن الرئيس الأميركي ردّ بلهجة تهديد، قائلاً إن “المدينة لا يمكن أن تنجح تحت قيادة شيوعية”.
وتُشير تايمز إلى أن هذا الصراع قد يتطور إلى نزاع قضائي طويل الأمد، خاصة إذا مضى ترامب في تهديده بقطع التمويل أو استخدام سلطاته لنشر قوات اتحادية داخل نيويورك “لحفظ الأمن” كما فعل سابقًا في شيكاغو ومدن كاليفورنيا، وهو ما سيضع ممداني أمام اختبار سياسي صعب في مواجهة “رجل واشنطن الأقوى”.
ويرى مراقبون أن هذه المواجهة تمثّل أكثر من خلاف إداري، إذ تعكس معركة حول هوية أميركا ذاتها: هل ستبقى رهينة النخبة اليمينية ورجال المال، أم ستتجه نحو نموذج العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية الذي يمثله جيل التقدميين الجدد؟
ويخلص التقرير إلى أن ما يجري في نيويورك ليس صراعًا محليًا بقدر ما هو مقدمة لمعركة كبرى على مستقبل أميركا السياسي، حيث يتجه ترامب لتكريس نفوذه كرئيس قوي يفرض أجندته من أعلى، فيما يسعى ممداني لتأسيس حركة شعبية مضادة قد تمتد إلى واشنطن نفسها، في واحدة من أكثر المواجهات رمزية في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث.
