قُلْ عنِ اليمنِ ما تشاء، وصِفْ أهلَها كيفما تُريد؛ فلن تستطيعَ أية مؤسّسةٍ ثقافيَّة، بكلِّ ما تحويه من مثقَّفين وأدباء وكُتّاب، أن تُوفيَها حقَّها، أَو أن تفهم كينونة أهلها، أَو تُوصِّفَهم التوصيفَ الدقيق؛ الذي يمنح النموذجَ الحيَّ والواقعي لمدى الارتباط الوثيق بين الأرض والإنسان، والهُــويَّة والإيمان، والأصالة والحضارة، والروح والعقيدة عبر القرون والأزمان.
فاليمنُ، عبرَ تاريخه، يُقدِّسُ المقدَّساتِ الدينيَّةَ ويعتبرها خطًّا أحمرَ لا يقبلُ المساسَ أَو التدنيس، ويبذلُ في سبيل حمايتها كُـلّ غالٍ ونفيس.
وَإذَا كان هذا الموقفُ ثابتًا تجاهَ كُـلّ المقدَّساتِ، فكيف يكون الحالُ عندما يتعلَّق الأمرُ بكتابِ الله تعالى، القرآن الكريم؛ الذي يؤمنُ به اليمنيون ويعتقدونه أقدسَ المقدَّسات، وأعزَّها، وأعظمها؟
لقد شهدَ لأهلِ اليمنِ اللهُ ورسولُه بأنَّهم: «أهلُ الإيمانِ والحِكمة»، وأنَّ بلدَهم «نَفَسُ الرحمن، والأرض الطيِّبة».
وهذا ليس وصفًا جغرافيًّا فحسب، بل حقيقةٌ اجتماعيَّةٌ وروحيَّةٌ تتجلَّى في سلوكهم؛ فإيمانُهم ليس مُجَـرّد شعارٍ يُرفع، بل هو منهجُ حياة، وعمقٌ وجدانيٌّ يُترجم إلى احترام وتقديسٍ لكلِّ ما هو ديني، نابعٍ من ولاءٍ إيمانيٍّ وفهمٍ عميقٍ للهويَّة والقيم.
ويُعدُّ الحفاظُ على حرمةِ المقدَّساتِ جزءًا أصيلًا من هُويَّتهم، وأيُّ اعتداء عليها يُعدُّ حربًا عدوانيَّةً ضدَّ المشاعر الدينيَّة لملايين المسلمين.
وقد أمرَ القرآن الكريم باحترام الشعائر الدينيَّة جميعها، حتَّى تلك التي تعبَّدت بها المجتمعات غير الإسلاميَّة، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسم اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [الحج: 40].
قدسيَّةٌ عظمى ومكانةٌ متفرِّدة
إنَّ للقرآن الكريم مكانةً فريدةً في قلوب اليمنيين؛ كيف لا وهو الذكرُ الحكيم، والمنهجُ القويم، والصراطُ المستقيم، والنورُ المبين، والرحمةُ الواسعة.
هو الحبلُ المتين، والعزَّةُ الحقيقيَّة، والكرامةُ الرفيعة؛ المُعجزُ في لفظه ومعناه، والمحفوظُ بحفظِ الله إلى يومِ القيامة.
إنَّ من ضمنِ الحروبِ التاريخيَّة حربَ أعداءِ الله الفكريَّة على القرآن الكريم، محاولين النيلَ من قدسيَّته؛ ظنًّا منهم أنَّ الباطلَ يمكن أن ينتصرَ على الحق.
وفي عصرنا الحديث، نشاهدُ أعداء الإنسانيَّة -أمريكا وكَيان الاحتلال الصهيوني والغرب- يتعمَّدون الاستهتارَ بالرموز الدينيَّة واستفزاز الأُمَّــة الإسلاميَّة؛ كما حصل مؤخّرًا من تدنيسٍ للقرآن الكريم من قِبل المرشَّح الأمريكي “جيك لانغ”، الذي وضع المصحفَ الشريف في فمِ خنزير، إرضاء للصهاينة وتنفيذًا لأجنداتهم المشبوهة.
لقد استفزَّ هذا الفعلُ المشين مشاعرَ المسلمين، وعلى رأسهم الملايين من اليمنيين، وأثار في قلوبهم الغضب، وحرَّك فيهم الحميَّة والنفيرَ العام للدفاع عن كتابهم ودستور حياتهم.
اليمن والدفاع عن قدسيَّة القرآن
عبرَ التاريخ، كان لليمنيين دورٌ بارزٌ في حفظ القرآن ونشره والذَّود عنه.
وها هم اليوم يواصلون هذا الدور؛ لأنَّ الاعتداء على القرآن بالنسبة لهم اعتداء مباشرٌ على صميم إيمانهم.
وهذا الموقفُ يقوم على التزام دينيٍّ وأخلاقيٍّ يتمثل في:
الإيمان العميق: بأنَّ القرآن هو أَسَاس الفطرة السليمة والمنهج الذي تنطلق منه الحياة.
الشعور بالمسؤوليَّة: إذ يُدرك اليمنيون أنَّهم مكلَّفون بصون كرامة هذا الكتاب شرفًا لقدسيَّته.
ختامًا، لقد استدعى هذا الجُرْمُ من قائد الثورة والمسيرة القرآنيَّة الخروجَ ببيانِ إدانة واستنكار، خاطب فيه أُمَّـة الإسلام بالتحَرّك الجاد والتصدِّي لمثل هذه الأفعال، محذرًا من خطورة الصمت.
ودعا شعبَ الإيمان والحكمة إلى النفير في جميع المجالات، واتِّخاذ المواقف الغاضبة، والخروج المشرِّف إلى الساحات؛ لإيصال رسالةٍ قويَّةٍ لأعداء الله بأنَّنا لن نسكتَ على الإساءة لمقدساتنا، ولن نتخلَّى عن غزة المظلومة، وسنواجه الطغيان حتَّى تطهير الأرض والمقدَّسات.
إنَّ القرآن الكريم خطٌّ أحمر لا يقبل المساومة، والدفاعُ عنه هو دفاعٌ عن الكرامة الإنسانيَّة والمبادئ الروحيَّة التي بدونها تفقدُ الحياةُ معناها.
