المشهد اليمني الأول/

قذفت الحرب المستمرة على اليمن منذ نحو ثلاث سنوات الآلاف من مرضى “الفشل الكلوي” إلى معترك جديد من المعاناة، فطريق الموت باتت مفتوحة أمامهم على مصراعيها، بينما تضيق سبل الحياة شيئا فشيئا في ظل التدهور المريع الذي أصاب القطاع الصحي في البلاد وأفقده القدرة عن الإيفاء باحتياجاتهم.

وتؤكد تقارير محلية أن نحو خمسة آلاف يمني يعانون من مرض الفشل الكلوي، وكانوا يتوزعون على 18 مركزا للعلاج بعدد من المحافظات، غير أن الحرب أدت إلى تدهور أوضاع هذه المراكز، وأجبرت عددا منها على الإغلاق لفترات طويلة بسبب انعدام النفقات التشغيلية والنقص الحاد في الأدوية والمحاليل التي يحتاجها المرضى، بينما المراكز المفتوحة تكافح بكل جهد من أجل البقاء وخدمة المرضى.

وبحسب تلك التقارير فإن هذا التدهور الذي أصاب القطاع الصحي وخاصة مراكز علاج مرضى الفشل الكلوي أدى خلال السنوات الثلاث الماضية إلى وفاة نحو 300 حالة مصابة بالمرض، وكان العام الأسوأ فيها هو العام 2016 الذي شهد وفاة182 شخصا من المرضى بينهم 12 طفلا.

ويعد مركز غسيل الكلى في مستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء واحدا من المراكز التي مازالت تقدم خدماتها لمرضى الفشل الكلوي ، لكن بإمكانيات شحيحة أحيانا لا تتمكن من استقبال كل المرضى المحتاجين لجلسات الغسيل الكلوي.

وقال الدكتور مجاهد البطاحي رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى بالمستشفى في تصريح صحفي، إن المركز يستقبل في الوقت الراهن أكثر من 200 حالة غسيل كلى يوميا مقارنة بـ 120 حالة قبل اندلاع الحرب في البلاد أواخر مارس 2015 ، وذلك بعد أن اضطرت آلاف الأسر إلى النزوح إلى العاصمة من المحافظات التي تشهد مواجهات مسلحة.

وأضاف أن المركز يواجه منذ بداية العدوان أعباء إضافية في ظل شحة الإمكانات ويعتمد غالبا على ما تجود به المنظمات الدولية من دعم رغم قلته وغيابه في معظم الأوقات، وهذا يجعل حياة المرضى في خطر.. مشيرا إلى أن تكلفة جلسة الغسيل الواحدة للمريض تكلف خمسين دولارا أي ما يعادل 25 ألف ريال يمني بينما المركز لم يتلق أي موازنة تشغيلية منذ العام 2014 .

وفي مدينة تعز ينفذ العشرات من مرضى الغسيل الكلوي منذ نحو أسبوعين وقفات احتجاجية أمام مركز الغسيل الكلوي التابع لمستشفى الثورة العام أكبر مستشفيات المدينة وذلك بعد أن أعلن المركز نفاذ المواد الطبية والمحاليل الخاصة بعمليات الغسيل الكلوي.

ويستقبل مركز الغسيل في مستشفى الثورة بمدينة تعز في الأوضاع الاعتيادية 250 حالة يوميا لكنه بات يستقبل أعدادا إضافية فوق قدرته الاستيعابية منذ اندلاع الحرب، ونزوح العشرات من المصابين بالفشل الكلوي من مناطق أخرى ريفية تعاني من ويلات الحرب، إضافة إلى توقف العمل بشكل نهائي في مركز الغسيل الكلوي التابع للمستشفى العسكري في المدينة جراء تعرضه للقصف.

وأوضح الدكتور أحمد الدميني نائب رئيس هيئة مستشفى الثورة في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا” أن قسم مرضى الكلى في المستشفى يستوعب أكثر من 270 مريضا يحتاجون إلى جلسات غسيل، وباتت حياتهم في خطر بعد تراجع مدة الغسل الكلوي بسبب قلة المحاليل ونفادها بشكل كامل أحيانا .. مؤكدا أن المركز يجري ما لا يقل عن 80 حالة غسل يوميا بمعدل غسلتين أسبوعيا، رغم أن الغسلة الواحدة للمريض يجب أن تكون 4 ساعات ولكن مع قلة المواد اضطرت إدارة المركز إلى تخفيض المدة ثلاث ساعات وهذا سبب مضاعفات للمرضى ونتج عن ذلك وفاة مريض بالفشل الكلوي كل شهر بحسب إحصائية لدى المركز وكان آخر ذلك وفاة امرأة مصابة بالمرض مساء يوم، الإثنين، الماضي .

وقال إن احتياجات المركز لا تتعلق بالمحاليل الطبية فقط ، وهناك احتياجات أخرى مهمة كمادة الوقود الخاصة بتشغيل المولد الكهربائي الخاص بالمركز وخاصة مع انقطاع الكهرباء منذ ثلاث سنوات بسبب الحرب، حيث أن كل مريض بالفشل الكلوي يحتاج إلى 4 ساعات من أجل إتمام الغسيل، وكل جلسة غسيل تحتاج في اليوم على الأقل 20 لتر وقود في الساعة الواحدة من أجل تشغيل مضخات التحلية والغسيل، فضلاً عن أنها تحتاج إلى جانب ما سبق ما يتراوح بين 8 إلى 10 خزان ماء سعة 3000 لتر وقد تضاعفت أسعار خزانات الماء بشكل مهول، بالتزامن مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في جميع المدن اليمنية.

وأضاف أن المركز أطلق قبل أشهر نداء استغاثة وناشد المنظمات والجهات المختصة بنفاد المواد والمستلزمات الطبية لكن الدعم الذي يصل إلى المركز بهذا الخصوص لا يواجه الاحتياجات المتزايدة للمركز ولا يخفف معاناة المرضى.

من جانبه أكد الناشط الإعلامي “محمد مهيوب السبئي” أن مشاكل مرضى الفشل الكلوي لا تنحصر فقط في نقص المواد والمحاليل الطبية في مراكز العلاج ، بل أيضا في تكاليف الأدوية التي يتوجب عليهم شراؤها من الصيدليات الخاصة بأسعار باهظة تفوق قدراتهم الشرائية والتي تراجعت بشكل مأساوي مع استمرار الحرب الذي قذف بأكثر من 85 % من السكان إلى دائرة الفقر والجوع.

وقال في تصريح لـ”قنا” إن استجابة المنظمات الدولية بخصوص دعم مراكز الغسيل الكلوي ضئيلة جدا ولا تفي بإنقاذ المرضى الذين يتربص بهم الموت، وذلك لتعدد الاحتياجات في المستشفيات اليمنية لمواجهة الكثير من الأمراض والأوبئة القاتلة مثل الكوليرا والدفتيريا وغيرها.

ويوم الثلاثاء الماضي دعت منظمتا “الصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود” إلى ضرورة تخفيف معاناة الآلاف من مرضى الفشل الكلوي في اليمن .

جاء ذلك في فعالية أقيمت بالعاصمة اليمنية صنعاء نظمتها المنظمتان الدوليتان بهدف تحشيد الدعم المحلي والدولي لمراكز علاج مرضى الفشل الكلوي في البلاد.

وجاء في بيان صادر عن الفعالية إن هذا النداء يأتي في الوقت الذي يعاني فيه نحو أكثر من خمسة آلاف يمني من مرض الفشل الكلوي.

ودعت الفعالية الجهات المانحة ورجال الأعمال إلى دعم مراكز علاج مرضى الفشل الكلوي التي تعاني من نقص في المواد الطبية وعدم كفاءة الأجهزة بالإضافة إلى قلة الكادر بسبب عدم تسلم الموظفين الصحيين لمرتباتهم منذ نحو عام ونصف.

وأشار البيان إلى أن بعض مراكز علاج مرضى الفشل الكلوي، أغلقت أبوابها نتيجة الوضع الحالي المضطرب في البلاد في حين مازال هناك 18 مركزا تعمل في مختلف أرجاء البلاد وتعاني من قصور كبير.

وقال البيان نتطلع أن يكون هناك صدى للنداء بما ينعكس في تخفيف معاناة مرضى الفشل الكلوي في اليمن خصوصا في ظل الوضع الصحي المتفاقم في البلاد والذي بات على شفا الانهيار.

وأدت الحرب المستمرة في اليمن إلى توقف الخدمات الصحية في 54 في المئة من المنشآت الطبية ، فيما لجأت عدة مستشفيات عامة إلى خفض أو إغلاق بعض أقسامها بسبب نقص الإمدادات الطبية وتوقف دفع المرتبات منذ أكثر من عام .

وتؤكد تقارير نشرتها عدد من المنظمات الدولية المهتمة خلال الأشهر الماضية أن الحرب أدت إلى حدوث دمار في البنى التحتية والمنشآت الصحية ولم تعد المستشفيات قادرة على استقبال المرضى أو تقديم العلاج لندرة الأدوية والمعدات الصحية المطلوبة.. مشيرة إلى أن الحرب تسببت أيضا بإغلاق أكثر من 600 منشأة طبية في اليمن والتي تعاني من حصار خانق من قبل التحالف السعودي منذ أكثر من عامين.

وحذرت من أن الوضع الطبي في اليمن ينذر بكارثة، في ظل بقاء أقل من نصف مستشفياتها وعياداتها الطبية فقط مفتوحة أمام المواطنين.

وقالت إن الانهيار الذي أصاب القطاع الصحي هو إحدى العواقب المباشرة للنزاع في البلاد والقيود التي أصابت عمليات الاستيراد بالشلل لا سيما الأدوية والإمدادات الطبية الضرورية للغاية .

وفي الآونة الأخيرة تزايدت التحذيرات من قبل المنظمات الدولية من تفاقم الوضع الإنساني باليمن بما في ذلك مخاطر انتشار الأمراض والأوبئة وذلك مع استمرار الحرب وعدم وجود أي بوادر لإيقافها.

وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن ثلاث سنوات من الحرب أدت إلى تحويل اليمن إلى أسوأ أزمة إنسانية من صنع البشر في عصرنا هذا ، حيث يحتاج ثلاثة أرباع السكان أي 22.2 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية بما في ذلك 11.3 مليون شخص يحتاجون بشدة إلى مساعدات عاجلة للبقاء على قيد الحياة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا