المشهد اليمني الأول/ تقرير – فؤاد الجنيد

حرب إفقار جديدة تدشنها السعودية ضحاياها جيل من شباب القُرى والمدن اليمنية وأُسر تترقب يد ممدودة بالخُبز لتنجوا.. وتحت سياط الظلم والاستغلال السعودي، كل المغتربين اليمنيين سواء، عُمال مظلومون، باختلاف مذاهبهم ومناطقهم، وحزبية مواقفهم.

تسبب ترحيل العُمَّال اليمنيين من المملكة عقب حرب الخليج 1990 بأكبر الهزات التي عصفت بالاقتصاد اليمني خلال العقدين الماضيين. رغم استقرار الاقتصاد اليمني آنذاك، وما تُقدم عليه السعودية اليوم سيكون أشد كارثية في ظل الانهيار الاقتصادي والحصار؟. يتجلى، اليمني في ذهنية بني سعود “ككائن ناقص الآدمية”، ففي مملكتهم الاستغلالية الظالمة يعاملونه معاملة “عبد أجير”، ويرونه في الوطن كـ”متمرد”، و”متخلف” و”كافر”. يرسلون عليه الوهابيين والأحلاف العدوانية العسكرية، ويفرضون عليه وصايتهم فيمنحون الانظمة الفاسدة التابعة “الحق” و”الشرعية”، ولولا ضُعف الحكومات اليمنية وفسادها وإهانتها لكرامة الانسان في الداخل ما أسترخص الأجنبي من قدر المواطن اليمني. لا تقتصر المعاناة على “غربة العمل المأجور” ، بل تُضاف إليها غُربة أُخرى، هي غربة العيش بعيداً عن الأحبة ووجوه الطفولة، في مملكته معادية تسعى لقهر اليمن ومنع تقدمه كوصيلة لجدهم المؤسس! واليوم يُهجر مئات الآلاف من شباب الوطن كانوا يبيعون جهد عملهم ونوم عيونهم، لم يكونوا لصوصاً، ولا مرتزقة يطلبون صدقات “الملك”!

جارة السوء وسياسة الاستضعاف

تصب السعودية نيران حقدها على العُمَّال اليمنيين وتنتقم من المدنيين المجردين من السلاح كلما هزمت في مواجهة المقاتل اليمني، في الجبهات الحدودية، برغم فارق الامكانيات!. صنوف من العذاب يتلقاه اليمني في الغربة، تطارده السُلطة السعودية، في حملة لا إنسانية تُسمى: “وطن بلا مخالف”، تقوم بها وزارة الداخلية السعودية، بطريقة بربرية تنتهك حقوق الانسان وحقوق العُمَّال التي ضمنتها المواثيق الدولية.

أدلة افتراضية

تُظهر الشهادات الشخصية والصور والفيديوهات القادمة من السعودية، مشاهد مداهمة قوات الداخلية السعودية ومكافحة الشغب، منازل المغتربين اليمنيين وإخراجهم مع عوائلهم، بطريقة مهينة، كذلك يقوم بعض الجنود السعوديين بسرقة الذهب والأموال النقدية من البيوت التي يداهمونها. وفي صور أُخرى يظهر العُمَّال اليمنيون وهم ينامون على صقيع البلاط دون فراش او لحاف، كما لا يُعامل أسرى الحرب، فكيف بمن هم عُمَّال كانوا الى ما قبل اعتقالهم ينتجون ويخدمون المجتمع والدولة السعودية.

استهداف شامل

لم تستهدف هذه الحملات فقط العُمَّال المتهربين، بل استهدفت بشكل أساسي مَن مُنحوا رخصة زائر في العام 2015م، كما تستهدف اصحاب الإقامة القانونية، الذين دفعوا عشرات آلاف الريالات السعودية لشرائها من عصابات مافيا الفيزا السعودية. و لا تُخفي السعودية وحشيتها بل تباهي بها، وكُشفت الكثير من الصور والفيديوهات، التي تظهر ما يتعرض له عمال اليمن وعوائلهم من الإهانة والإذلال والسجن، بسبب عدم قدرتهم تسديد الرسوم الجائرة التي تفرضها السلطات السعودية، وبسبب سعودة الاعمال التي كانت بين ايديهم. وما تعتبره السعودية تهريباً ودخولاً لا شرعيا هو حق مثبت ومقر في اتفاقية “الطائف” 1934 واتفاقية “جدة” 2000م بأن يحظى اليمني بحقوق تضمن له حرية الدخول والحركة والعمل والمُلكية في السعودية، وهي الحقوق التي انقلبت عليها السُلطة السعودية، التي تعجز عن فصل التداخل الاجتماعي في المناطق الشمالية اليمنية مع الأقاليم اليمنية تاريخيا التي ألحقها ابن سعود بسلطنة نجد فغدت مملكة!

تنديد حقوقي

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عبر عن قلقه من الاجراءات الاخيرة التي تقوم بها السعودية تجاه المغتربين اليمنيين، فقد اعتبر أن على السعودية “أن تأخذ بعين الاعتبار تدهور الأوضاع الإنسانية التي خلفتها الحرب المندلعة على اليمن منذ مطلع العام 2015 والتي تعد السعودية طرفًا رئيسًا فيها”. وقال المرصد إن اليمنيين في الوضع الراهن مع ما تشهده البلاد من حرب، ينطبق عليهم وصف اللاجئين ما يجعلهم يندرجون تحت قاعدة «اللجوء وعدم الطرد» التي نصت عليها الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951 وهو ما يجعل طردهم وترحيلهم انتهاكًا لهذه القاعدة وقد يعرض حياتهم للخطر. وأشار المرصد الحقوقي الدولي إلى أنه تلقى إفادات من يمنيين قالوا إن الحملة التي أطلقتها السلطات السعودية باسم “وطن بلا مخالف” أدت كذلك إلى اعتقال عشرات منهم حيث جرى نقلهم قسرًا إلى معسكرات التجنيد للقتال في جبهات الحدود نيابة عن الجيش السعودي.

هيستريا سلولية

مع القرارات السعودية الأخيرة، أصبح العامل اليمني هو مَن يُنفق من ماله على الدولة السعودية وعلى رب العمل السعودي المُترف، لم يعد النفط من يتكفل بالموازنة السعودية، مورد اقتصادي أُخر لا يقل اهمية عن النفط يبرز كمصدر ايراد وهو جبي الضرائب من العُمَّال المغتربين في السعودية من كل العالم، والجزء الأكبر من الطبقة العاملة في السعودية، هم من أبناء الطبقة العاملة اليمنية المبدعة المجتهدة. وفق قرار مجلس الوزراء السعودي في أواخر العام الماضي، بدأت المملكة العربية السعودية، تطبيق تحصيل رسوم “المرافقين” عند تجديد هوية المقيم، بواقع 100 ريال كرسم شهري على كل مرافق للعمالة الوافدة في السعودية ليصبح المبلغ سنويا قد بلغ 1200 ريال، ويتضاعف المبلغ مع مطلع عام 2018 حتى يصل في عام 2020 إلى مبلغ 400 في الشهر وبمجموع 4800 ريال في السنة.

ظروف قاسية

يُقاسي العامل اليمني في المملكة من اغتراب العمل المأجور في عيش حياة مُستلبة ينتج الثروة ويبذل الخدمة لرب عمل مُتكرش في ظروف عمل قاسية ولا إنسانية، حياة لا تمت بصلة للحياة التي كان يحلم ان يعيشها كما يُريد لها ان تكون. طوال العقود الماضية لم تقم الحكومات اليمنية المتعاقبة الفاسدة والموالية للسعودية، بأي اجراءات لحماية حقوق العُمَّال اليمنيين، الذين يخضعون لشروط البرجوازية السعودية، ويُنقلون الى السعودية عبر شركات سمسرة لا عبر جهات يمنية رسمية. فحتى اليوم لا توجد أي اتفاقيات يمنية سعودية تنظم مسألة العُمَّالة اليمنية. ويتذكر اليمنيون باعتزاز وحسرة ما كان لليمني من قيمة في فترة الرئيس الحمدي، او اليمني الجنوبي إبان دولة اليمن الديمقراطية سابقاً.

نسبة عالية

يمثل المغتربون اليمنيون، الكم الأكبر من مجموع الطبقة العاملة في السعودية، فهم الأكثر عدداً والأدنى أجراً، وعلى سواعدهم قامت المملكة السعودية الحديثة، مجردين من أي حقوق عمالية، فظروف العمل في السعودية خارجة عن المواثيق الدولية التي ضمنت حقوقاً للعمال، ولا ينتاب الغرب “المتمدن” أي انزعاج من وضع العُمَّال وانعدام الديمقراطية في ذلك البلد! يوم عمل ثمان ساعات.. كان هذا أبز المطالب التي رفعتها الطبقة العاملة في أوروبا في القرن التاسع عشر وحصلت عليها، لكن يوم العامل هنا في المملكة السعودية، ما زالت 12 ساعة يومياً، وخصوصاً للعامل لليمني.

مأساة حقيقية

يعمل المغترب اليمني نصف يوم وينام في النصف الأخر فلا يجد نفسه إلا وقت العمل، في ابشع صور الإغتراب، وعلى اليمني أعباء ومهام متعددة يقررها مزاج البرجوازي (الكفيل) ويغيب عنه التأمين الصحي، كما يصعب عليه أن يستقدم عائلته للعيش معه، ومع القرارات الأخيرة بوجوب دفع ضريبة التابع أصبح لقاء لم الشمل في الملكة مستحيلاً!. في الغالب والعام لا يوجد عقد عمل رسمي يحدد العلاقة بين العامل اليمني و رب العمل السعودي (الكفيل)، كما تغيب اللوائح التنظيمية الموضحة لحقوق العامل وواجباته. يحرم العامل اليمني من الحوافز المادية، وكذا المعنوية إذ يُعامل بإهانة من قبل (الكفيل)، كما يُحرم من أجر الاجازة السنوية، ولا يتلقى مكافئة نهاية الخدمة، ولا يحظى بيوم راحة أسبوعي، كما يتعرض للنهب من الكفيل او الاعتداء، إذ طالب بحقوقه المشروعة.

حكومة المرتزقة متواطئة وكاذبة!

لطالما شاركت الحكومات الفاسدة المتعاقبة في إذلال المغترب اليمني وعدم انصافه، لكن التاريخ اليمني لم يشهد حكومة أشد عمالة، وهوان من حكومة الخائن هادي التي يرأسها العميل ابن دغر، هذه الحكومة التي يعترف النظام العدواني السعودي بشرعيتها، لم يخجل منها ويراعي حقوق اليمنيين ولم يُلقي بالاً لاستغاثاتها الخجولة ولتأكيدات العميل علي محسن الأحمر ان مناشدات المغتربين وصلت اسماع وزير الحرب السعودي ولي العهد ووالدة السفاح سلمان ابن عبد العزيز!.

ضجت المواقع الاعلامية التابعه لقوى العدوان بأخبار طلب الحكومة العميلة من دولة العدوان استثناء اليمنيين من القرارات الأخيرة ولكن دون جدوى، رغم تكرار الرياض سهرها على اليمنيين وعلى المصالح المتبادلة، ولكن كما يقول المثل اليمني “نسمع جعجعةً ولا نرى طحيناً”. عدا عن ذلك فالحكومة العميلة وكافة المُرتزقة هم في الأصل مغتربين في السعودية!.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا