المشهد اليمني الأول/

شرّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأبواب أمام حرب تجارية غير مسبوقة بينه وبين دول القارة العجوز وآسيا وذلك بعد قراره فرض الضرائب على واردات الفولاذ والألمنيوم ليفتح الباب واسعاً من حيث يدري أو لا يدري أمام تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي, وتفاقم عزلة واشنطن وإثارة المزيد من العلاقات العدائية بينها وبين دول العالم حتى حلفائها الذين سيتحولون قريباً إلى ألدّ الخصوم.

دون أن تحدد الإدارة الأمريكية بالضبط البلدان المستهدفة من وراء قرارها المفاجئ, يؤكد العديد من المراقبين أن الصين هي الهدف الأول لواشنطن, لكونها تنتج نحو نصف الفولاذ في العالم، وتُصر واشنطن على أن الإنتاج الصيني الزائد يلقى دعماً حكومياً كبيراً من الدولة ما تسبب بخفض الأسعار العالمية وأثّر سلباً على الإنتاج الأمريكي، وما يؤكد ذلك اتهام ترامب، قبل أسابيع، بكين بتدمير صناعات الألمنيوم والفولاذ الأمريكية.

الأكيد, أن الصين صاحبة الاقتصاد القوي ليست المتضرر الوحيد من قرار ترامب, بل إن القارة العجوز ستتضرر أكثر بعشرات المرات من بكين, ما جعل الأوروبيين يطلقون على عجل بياناً مشتركاً عبروا فيه عن غضبهم غير المسبوق من الإعلان الأمريكي، متوعدين برد قوي وإجراءات مضادة ومنسقة من الاتحاد الأوروبي تنسجم مع قواعد منظمة التجارة العالمية لإعادة التوازن, وذلك في محاولة للجم ترامب عن الخوض في تطبيق قراره على أرض الواقع.

لكن حسابات ترامب لم تأتِ مطابقة لحسابات ما اشتهى «الأوروبي», فبدلاً من أن يهدئ من روع من يفترض أنهم حلفاؤه, قام كما العادة باستعراض العضلات معرباً عن ثقته «بسهولة فوز» واشنطن في الحروب التجارية باعتبار أن الميزان التجاري للولايات المتحدة خاسر, وليس لديها ما تخسره أكثر!. كما ذهب إلى أبعد من ذلك في معركة أشبه بعض الأصابع, متوعداً بفرض رسوم جمركية على واردات السيارات الأوروبية في حال رد الاتحاد الأوروبي على قرار فرض الضرائب.

بعض المراقبين أكدوا أن القرار الأمريكي المتهور حبر على ورق غير قابل للتنفيذ الفعلي, وهو مجرد محاولة للي ذراع الدول التي تنافس واشنطن تجارياً وعلى رأسها الصين وبعض الدول الأوروبية بغية استدراجها إلى طاولة المفاوضات, وهنا تبدأ محاولات واشنطن اغتنام الفرصة لفرض شروطها.

ومن المتوقع أن تُكرر الصين ما فعلته دول أخرى في الماضي، مثل حشد محاميها والتوجه إلى هيئة حل المنازعات للاحتجاج على تصرفات الولايات المتحدة التي تنتهك القواعد الهادفة إلى إيجاد فرص متكافئة في الساحة التجارية العالمية، فيما يرى الكثير من المراقبين أن الحرب التجارية التي شرع ترامب في شنها مؤخراً، ما هي إلا محاولة للتغطية على فشله السياسي والعسكري والدبلوماسي في العديد من الأزمات الإقليمية وفي علاقاته المتوترة مع معظم دول العالم، فالكل متفق على أن ترامب جرَّ بلاده إلى عزلة دولية تحوّل فيها الحلفاء إلى خصوم بفعل سياساته التعنتية والعنجهية التي يتعامل بها مع الحليف قبل العدو، واقع الحال الذي دفع نفوذ أمريكا إلى الانهيار خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بالتزامن مع صعود روسيا بشكل متزايد سياسياً وعسكرياً، حتى إن حلفاء واشنطن القدامى والحاليين، باتوا يتهافتون على التعاون مع موسكو وترك واشنطن تغرد وحيدة خارج السرب الدولي.

*صفاء إسماعيل

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا