المشهد اليمني الأول/ زهير أندراوس – رأي اليوم

 

لم يستطع الإعلام العبريّ، الذي يُعتبر مرآة دوائر صنع القرار في دولة الاحتلال، كبح جماح فوقيته وعنجهيته، وقام اليوم الثلاثاء بنفث سمومه الحاقدة ضدّ الشعب العربيّ-الفلسطينيّ، الذي قدّم أمس الاثنين في غزّة 58 شهيدًا وأكثر من ألفي جريح، سقطوا بنيران الـ”جيش الأكثر أخلاقيًا في العالم”. الفلسطينيون، شدّدّ إعلام الـ”ديمقراطيّة الوحيدة في صحراء الدكتاتوريات العربيّة” أفسدوا الاحتفال التاريخيّ بنقل سفارة الولايات المُتحدّة من تل أبيب إلى القدس، بحسب تعبيره.

 

لم يتطرّق الإعلام الإسرائيليّ إلى عدد الشهداء الفلسطينيين الذين ارتقوا جرّاء أطلاق النار عليهم بشكلٍ متعمدٍ، كما قالت منظمّة العفو الدوليّة، بهدف قتلهم أوْ التسبب بعاهاتٍ مُستدامةٍ لهم، الأمر الذي يُشكّل جريمة حرب، لم يتناول عدد الجرحى، بل صبّ جام غضبه على الفلسطينيين، لأنّهم تمكّنوا من إلحاق الأذى والضرر بصورة دولة الاحتلال في الرأي العّام العالميّ، ولا نُجافي الحقيقة إذا جزمنا أنّ الإعلام انفلت تمامً كما انفلت الاحتلال في قتل وجرح الفلسطينيين على الـ”سياج الحدوديّ” مع غزّة أمس الاثنين.

 

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، قالت المُستشرقة الإسرائيليّة، شيمريت مئير، إنّه طيلة أسابيع، خطط يحيى السنوار لهذا اليوم، الذي يُفترض أنْ يكون ذروة حملة “مسيرة العودة الكبرى”، لافتةً إلى أنّه في البداية، كان يفترض أنْ يحدث هذا اليوم في يوم النكبة الذي يحل اليوم، 15 أيار، ولكن القرار الإسرائيليّ-الأمريكيّ غير الذكيّ، لإجراء مراسم تدشين السفارة الأمريكية يوم الاثنين، تاريخ 14 أيار، قبل يوم من يوم النكبة، تحول إلى فرصةٍ استثنائيّةٍ لدى حماس.. ورأت أنّ أهداف السنوار واضحة: الإضرار بالاحتفالات الإسرائيلية، إرباك الأمريكيين، الإشارة إلى العرب الذين لا يحركون ساكنًا في ظل قرارات ترامب، وإظهار حماس بصفتها زعيمة النضال ضد إسرائيل، وليس أبو مازن رجل الأقوال لا الأفعال، على حدّ قولها.

 

بشكلٍ غريبٍ، ساقت قائلةً، رغم أنّ أحد أهم مبررات الفوضى هو الوضع الاقتصادي السيئ في غزة، بذلت حماس جهودًا كثيرةً بهدف “نجاح” التظاهرات، وزعمت أنّه وفق مصادر إسرائيليّة، وعدت حماس العائلات بمنحها 100 دولار إذا شاركت في المسيرات، تتبرع إيران بجزء من التمويل، وهذه خطوة مجدية لها، حتى إذا نجحت فقط في إحراج العرب والإدارة الأمريكية في الوقت الحاليّ، بحسب وصفها.

 

وأشارت في السياق عينه إلى أنّ السنوار، الذي نجح قبل بضعة أشهر في الحصول على الثناء لأنه أصبح “سياسيًا” و”معتدلاً”، يُثبت أنّ قدراته الكبيرة لا تكمن في المجال الدبلوماسيّ، فهو يسعى إلى وقوع عشرات الضحايا من القتلى الفلسطينيين، لأنّه إذا تعرض عدد قليل منهم للخطر فلن يحظى باهتمامٍ، وكما يطمح الفلسطينيون إلى رؤية “شاشة تلفزيونية ثنائية”، تظهر في جزء منها الاحتفالات الرسمية في القدس، أما في الجزء الثاني تظهر الفوضى في غزّة، على حدّ توصيفها.

 

في السياق عينه، كشف كبير المُحلّلين الإسرائيليين في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، ناحوم بارنيع، كشف النقاب عن خفايا وخبايا الاحتفال بافتتاح السفارة الأمريكيّة في القدس، وكيف أنّ الأمريكيين فرضوا على الإسرائيليين العمل والتصرّف وفق الإملاءات المُعدّة مُسبقًا في واشنطن بحسب البروتوكول: بارنيع كشف عن أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، طلب المُشاركة في إزالة الستار عن اليافطة التي كُتب عليها: سفارة الولايات المتحدّة الأمريكيّة في القدس-إسرائيل، ولكنّ طلبه قوبل بالرفض المُطلق من قبل واشنطن، حيث قامت بهذه العملية ابنة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، إيفانكا، بمُشاركة وزير الماليّة الأمريكيّ، ستيف مانوتشين، وهو يهوديّ-أمريكيّ، الذي وصل إلى كيان الاحتلال خصيصًا من أجل هذا الحدث التاريخيّ، على حدّ تعبير المُحلّل.

 

وبحسب المُحلّل بارنيع، لم يكُن هذا الرفض يتيمًا من قبل الأمريكيين، بل انسحب أيضًا على عقيلة رئيس الوزراء الإسرائيليّ، ساره، المُتورطّة في عددٍ من قضايا الفساد والرشاوى والاحتيال: بارنيع أكّد على أنّ سارة طلبت من المُنظمّين الأمريكيين الجلوس خلال الاحتفال إلى جانب إيفانكا ترامب، بهدف الحصول على أوسع تغطيةٍ من وسائل الإعلام الإسرائيليّة والعالميّة، ولكنّ الأمريكيين لم يرضخوا لطلبها، وأبلغوها بدون لفٍ أوْ دورانٍ بأنّ طلبها مرفوض جملةً وتفصيلاً، على حدّ تعبير بارنيع.

 

أمّا المُحللّة السياسيّة، سيما كدمون، فأكّدت في مقالٍ نشرته اليوم الثلاثاء في (يديعوت أحرونوت) على أنّ فرحة المهرجانات بنقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس انتهت اليوم، لافتةً إلى أنّ نقل السفارة لن يُغيّر أيّ شيءٍ في حياة الإسرائيليين، وتحديدًا على العلاقات مع الفلسطينيين، بحسب تعبيرها.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا