المشهد اليمني الأول/

 

المتابع للنظام العالمي يرى مهزلة حقيقية تلخص انهيار هذا النظام القائم على أسس اصبحت واهية، وهي المؤسسات والقانون الدولي.

 

هذا النظام المعيب بالأساس والذي انبثق عن الحرب العالمية احتراما للمنتصر وانتقاصا من الخاسرين، استمرت عيوبه الخلقية في النمو ليصبح سلاحا للظالم في وجه المستضعفين.

 

وان كانت السياسة تحتم وجوده بديلا للفوضى ولشريعة غاب معلنة، كتحجيم لاستئساد القوى الكبرى وتعطيلا للقوي في مواجهة الضعفاء، الا ان الوضع اليمني، كشف اخر الأوراق التي كانت تغطي سوءة هذا النظام.

 

ولعل العدوان الأخير على مستشفى الثورة بالحديدة، والغارات التي خلفت استشهاد 55 شخصا وإصابة 124، تكشف حجم المهزلة الدولية.

 

نعم انه عدوان يشكل محطة من محطات عديدة لعدوان غاشم، ولكن التصريحات المصاحبة له كانت كاشفة، ولنتأمل امثلة منها مع التوضيح:

 

– على الصعيد الأممي، قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ليزا غراندي، إن أعمال العنف هذه “تثير الصدمة”، مشددة على أن “المستشفيات محمية بموجب القانون الإنساني الدولي ولا شيء يمكن أن يبرر خسارة الحياة فيها”.

 

وبالتالي، اصبحت وظيفة الامم المتحدة هنا هو تلقي الصدمات والتعبير الانشائي عن الحزن، ولو ان وصف العدوان المجرم على المستشفيات بأعمال للعنف، لهو جريمة انشائية ولفظية وتواطؤ في حد ذاته.

 

– على صعيد التحالف المعتدي، اتهم المتحدث باسم العدوان، تركي المالكي، “أنصار الله” باستهداف المدنيين في الحديدة، نافيا أن يكون التحالف وراء الهجوم!

 

وهو تصريح يتخطى الاستخفاف بالعقول والفجر البين، لمراحل متقدمة من اللامعقول والعبث.

 

والأمر لم يتوقف عند هذا الامر الهزلي بل تخطاه بمراحل تصل الى الكوميديا السوداء!

 

فقد أوضح تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA عن مستوى التمويل الدولي للاستجابة الإنسانية في اليمن للعام 2018م، أن المملكة السعودية تصدرت الدول المانحة داخل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بمبلغ 530.4 مليون دولار من المبلغ الإجمالي 1.54 مليار دولار. كما تصدرت الدول المانحة خارج خطة الاستجابة الإنسانية لليمن بمبلغ 196 مليون دولار من المبلغ الإجمالي 466.4 مليون دولار، مشيراً إلى أن إجمالي التمويل داخل وخارج خطة الاستجابة الإنسانية بلغ 2.010.3 مليون دولار.

 

ويزداد الأمر هزلا وتزداد الكوميديا سوادا عند العلم بأن معظم المساعدات تدخل عن طريق الحديدة والتي شهدت فصلا مجيدا من مقاومة الاستهداف المستعين بأحدث الأسلحة وأكبر أعداد المرتزقة المدربين بالخارج!

 

اي نظام دولي هزلي هذا، واي قانون دولي يصمت عن عدوان وقتل وقصف لمستشفيات، في حين يضع عقوبات على دول اخرى لمجرد عصيانها لطغاة العالم!

 

ومع ذلك فالمقاومة اليمنية تتعاطى بمسؤولية، وتحافظ على النظام الدولي الهزلي كيلا تكون فوضى عالمية شاملة، وتتفاوض وتلتقي مسؤولين أمميين، وتمد يدها للسلام بذات القوة التي تدفع بها العدوان وتزود بها عن الكرامة وترفض بها الذلة.

 

هذا هو الفارق بين الاحرار والمستعمرين، وكما قيل واصبح مأثورا أن “العدل حلم الضعفاء والقانون يكتبه الأقوياء”، فان اليمن ومقاومته الذان يحترمان القانون في حين ينتهكه كاتبوه، يكرسان مقولة جديدة وهي “القتل حلم الطغاة والقانون يحترمه المقاومون”.

 

وفي ظل القانون، لليمن حق الدفاع المقدس بشتى الطرق والوسائل، والمقاومة تحترم القانون الدولي، في حين يعطله النظام العالمي عبر مجلسه الفاشل في اتخاذ تدابير لوقف العدوان وحتى مجرد تعطيل او ادانة القتل الممنهج.

 

(إيهاب شوقي – كاتب مصري)

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا