المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    أنس القاضي يكشف خطورة القرار الأممي الذي أفشلته “روسيا والصين” في مجلس الأمن

    حذّر الباحث السياسي الاستراتيجي أنس القاضي من خطورة مشروع...

    اصدار حكم الإعدام لمغتصب وقاتل الطفلة أنهار

    أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، اليوم السبت، حكمًا بالإعدام...

    غزة تغرق.. ومن يسرق القدس لا يُؤتمن على أبنائها

    آلاف الخيام غرقت اليوم في قطاع غزة، تاركة أهلها...

    “غزة الجديدة”.. مشروع أمريكي بأدوات صهيونية وتواطؤ عربي لطمس هوية القطاع وإعادة رسم جغرافيته

    تتزايد التسريبات الغربية والصهيونية حول ما يُعرف بـمشروع “غزة الجديدة”، وهو مخطط أمريكي خطير تسعى واشنطن إلى تمريره عبر أدوات العدو الصهيوني، وبغطاء عربي وإسلامي مريب، يهدف إلى إعادة تشكيل خريطة قطاع غزة ديموغرافياً وسياسياً وأمنياً. وتأتي هذه التحركات في إطار مساعٍ حثيثة لفرض واقع جديد يتجاوز مسارات الحرب الحالية ويعيد صياغة الهوية الجغرافية لفلسطين بما يتماشى مع الرؤية الأمريكية الصهيونية المشتركة.

    وتشير المعطيات التي تناولتها صحف أمريكية وصهيونية إلى أن جوهر الخطة يقوم على تقسيم قطاع غزة إلى منطقتين يفصل بينهما ما يسمى “الخط الأصفر”، بحيث تكون المنطقة الشرقية تحت السيطرة العسكرية المباشرة للاحتلال الصهيوني، فيما تُترك المنطقة الغربية للفلسطينيين، في مشهد يعيد إلى الأذهان جدار برلين الذي شطر أوروبا لعقود طويلة.

    ووفقاً لصحيفة هآرتس الصهيونية، فإن “الخط الأصفر” يمثل الركيزة الأساسية في مشروع غزة الجديدة، حيث يجري العمل على تحويله إلى حدود فعلية تفصل بين ما يسمى “غزة القديمة” و“غزة الجديدة”. وتشير الصحيفة إلى أن المرحلة الأولى من المشروع تبدأ من إعادة إعمار رفح لتكون نقطة الارتكاز الأولى في إعادة تشكيل القطاع. وقد حصل المشروع، بحسب المصادر، على موافقة مبدئية من حكومة الاحتلال الصهيوني خلال اجتماعات سرية جرى إقصاء المؤسسات الأمنية والعسكرية عنها، ما يعكس أن الخطة تُدار على مستوى سياسي أمريكي – صهيوني رفيع بمعزل عن أي رقابة.

    أما صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” فقد كشفت أن الخطة الأمريكية تتضمن نقل نحو مليون فلسطيني – أي ما يقارب نصف سكان قطاع غزة – إلى مناطق محددة شرقي الخط الأصفر، لاستخدامها في مشاريع إعادة الإعمار المزعومة، وهو ما يثير مخاوف عميقة من تهجير قسري منظم وتغيير ديموغرافي دائم يهدف إلى تفريغ القطاع من مكوناته السكانية الأصلية.

    وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن الاحتلال بدأ بالفعل بناء تحصينات عسكرية ضخمة على طول الخط الأصفر، في خطوات تُكرّس وجوداً دائماً لقواته داخل أراضي القطاع. وترى الصحيفة أن واشنطن تسعى لتحويل هذه المنطقة إلى “حدود أمنية صلبة” تفصل بين شطرَي غزة، بما يعزز فرضية أن المشروع هو غطاء لاحتلال طويل الأمد تحت رعاية أمريكية.

    وبحسب تسريبات أخرى، تشمل الخطة إنشاء حكومة انتقالية خاضعة للإدارة الأمريكية تدير القطاع مؤقتاً، إلى جانب مشاريع اقتصادية كبرى تُسوّق تحت عنوان “إعادة الإعمار”، من بينها تحويل أجزاء من غزة إلى مدينة تكنولوجية أو سياحية، بينما كشفت وكالة رويترز عن مقترح قدّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقضي بإقامة إدارة أمريكية مباشرة للقطاع تمهد لاحقاً لمرحلة “إعمار مشروط سياسياً”.

    ويرى خبراء القانون الدولي أن مشروع غزة الجديدة يحمل بصمات جرائم الحرب، إذ يتضمن تهجيراً قسرياً وتغييراً قسرياً في التركيبة السكانية، وهي ممارسات تُعدّ انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف وميثاق روما وتشكل جرائم ضد الإنسانية. كما يؤكد محللون أن أي إعادة رسم للجغرافيا الفلسطينية تحت الاحتلال أو في ظل الوجود العسكري القسري هي خطوة غير شرعية تهدف لتصفية القضية الفلسطينية.

    ويحذّر خبراء استراتيجيون من أن واشنطن تسعى عبر هذا المشروع إلى تحويل غزة إلى كانتونات ضعيفة خاضعة لإدارة أمنية أمريكية – إسرائيلية غير مباشرة، مع محاولة تهيئة الرأي العام العربي لقبول المشروع تحت غطاء “الإعمار والتنمية”، في حين أنه في جوهره إعادة إنتاج للاحتلال بصيغة ناعمة تخدم الأطماع الصهيونية على المدى البعيد.

    وتكشف المؤشرات أن هذا المخطط لا ينفصل عن التواطؤ الإقليمي الصامت لبعض الدول العربية التي تقدم الغطاء السياسي أو الاقتصادي لهذا المشروع، في وقتٍ يعاني فيه الشعب الفلسطيني من دمارٍ شامل ونزوحٍ واسع وانتهاكاتٍ مستمرة لحقوقه الأساسية.

    وفي ضوء هذه التطورات، يؤكد المراقبون أن ما يسمى بـ“غزة الجديدة” ليس مشروع إعمار ولا رؤية سلام، بل خطة استعمارية ممنهجة تسعى إلى شرعنة التقسيم ودفن القضية الفلسطينية نهائياً، تحت مظلة أمريكية وبأدوات صهيونية ودعم عربي متواطئ. إنها غزة ما بعد الحرب التي يريدها الاحتلال — منزوعة السيادة، محاصرة بالحدود والأسلاك، خاضعة لهيمنة العدو باسم إعادة الإعمار.

    spot_imgspot_img