مقالات مشابهة

نتنياهو في الواجهة في زمن “عرين الأسود”

حصل معسكر “أقصى اليمين” الصهيوني، بقيادة بنيامين نتنياهو، في انتخابات “الكنيست” الـ25 الأخيرة، على 64 مقعداً من أصل 120 مقعداً، ما يعطي نتنياهو وتحالفه أكثريةً عدديةً مريحةً لتشكيل حكومة العدو المقبلة، إلا إذا قرر نتنياهو مخالفة التوقعات، والذَّهاب إلى تشكيل حكومة “وِحْدةٍ وطنيةٍ”، وذلك ما لا يوجد مؤشراتٍ جديةٍ على حصوله.

وبالرغم من عدم وجود فروقاتٍ عضويةٍ بين الأحزاب الصهيونية، يساريةً كانت أم يمينيةً، سواء أكان ذلك بناءً على الموقف المبدئي من الكيان المؤقت وأحزابه، أو بناءً على تجارب العرب والفلسطينيين مع الاحتلال الصهيوني عموماً، دفع الفوز الأخير لمعسكر “أقصى اليمين”، الذي يضم تجمعات المستوطنين الأكثر تطرفاً، على شاكلة تجمع إيتمار بن غفير، الذي ما انفك يدعو صراحةً إلى تهجير الفلسطينيين، وإلى اقتحام المسجد الأقصى، إلى إثارة تساؤلاتٍ عن شكل الصراع في المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل تصاعد العمل المقاوم في الضفَّة.

تمثل حالة المقاومة المسلَّحة المستجدة في الضفَّة تحدياً أساسياً لمنظومة الاحتلال بمجمله، ولا يختلف في تقدير خطورتها على الاحتلال أيٌ من متزعمي أحزاب العدو، كما يوجد شبه إجماع على هذا التقدير لدى أجهزة الأمن و”الجيش” في الكيان المؤقت.

لذلك فإن محاولات كسر الحالة المقاوِمة في الضفَّة، وطبيعة التعامل معها، غالباً ما تخضع إلى تقديرات موازين القوى في الميدان، وإلى تقديرات المؤسسة الأمنية في الكيان لحجم الأخطار المحتملة لأي عمَلٍ عسكريٍ في الضفَّة وطبيعتها، وذلك بمعزلٍ عن شكل حكومة العدو وتركيبتها.

وعلى حد رؤية هذا المقال، تقوم تقديرات العدو لمخاطر أي عمَلٍ في الضفَّة على أربعة أمورٍ، نسردها من حيث الأولوية على النحو الآتي:

– المخاوف من تسريع انفجار الضفَّة بشكلٍ كاملٍ جراء أي عمَلٍ عسكريٍ كبيرٍ فيها، ما سيؤدي إلى خروج الأوضاع عن السيطرة، وإلى انهيار سلطة رام الله بالكامل، وبالتالي انهيار منظومة “التنسيق الأمني”، التي تعد استثماراً استراتيجياً للاحتلال.

– تزايد قوة مجموعات “عرين الأسود” و”كتيبة جِنين” وفعاليتها بصورةٍ تُمكِّن هذه المجموعات من الصمود أمام الاجتياحات الإسرائيلية لأيَّامٍ، إن لم يكن لأسابيعٍ، أو ربما لأشهُرٍ، وهذا الصمود من شأنه أن يُدعِّم احتماليات انفجار الضفَّة إلى حدٍ كبيرٍ.

– وجود فصائل المقاومة المسلَّحة في غزة، التي يمكن أن تدخل على خط المواجهة حال تفاقمها في الضفَّة.

– الوضع الإقليمي لقوى محور المقاومة، لا سيما على جبهة العدو الشمالية، التي لا يمكن للعدو ضمان بقائها هادئةً، وذلك حال دخول غزة على خط المواجهة، واحتمال وصول الأوضاع إلى حدٍ تخرج معه عن السيطرة، بما يؤدي إلى تدحرج التصعيد، وذلك ليشمل جبهاتٍ أخرى بالإضافة إلى جبهة غزة.

وبما أنه لم يطرأ تغييرٌ على هذه المخاطر الأربعة، فإنه من المرجَّح سير حكومة نتنياهو على نهج حكومة سلفه نفسه في التعاطي مع الحالة المستجدة في الضفَّة.

لكن، مع هذا، يبقى وصول الأطراف الأكثر تطرفاً وعنصريةً في الكيان المؤقت إلى الحكم أمراً مؤثراً في مجمل المشهد من زوايا أخرى، إذ إن نتنياهو سيكون ملزماً بإعطائهم حقائب وزاريةٍ، كونهم خاضوا معاً الانتخابات ضمن معسكرٍ واحدٍ، أو على أقل تقديرٍ، فسيكون للجماعات الأكثر تطرفاً نفوذٌ مؤثرٌ في سياسات حكومة نتنياهو القادمة.

لهذا، يجب أن يضع الفلسطينيون بالحسبان إمكانية تصاعد أعمال المستوطنين العدائية خلال المرحلة القادمة، سواء أكان ذلك في الضفَّة أم القدس أم حتى في أراضي الـ48، هذا بالإضافة إلى احتمالية تزايد اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى بشكلٍ ملموسٍ، وإمكانية زيادة الأعمال الاستفزازية ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية الفلسطينية.

إذ إن الأحزاب المشارِكة في معسكر نتنياهو، من أمثال “قوة يهودية” و”الصهيونية الدينية”، تدعو صراحةً إلى طرد العرب، وإلى هدم المسجد الأقصى من أجل إقامة هيكلهم المزعوم مكانه، لكن من شأن هذا كله، إن حصل، رفع منسوب الاحتقان في الأراضي المحتلة، لا سيما إذا ما اقترنت استفزازات الاحتلال بإسالة الدماء الفلسطينية على يد قطعان المستوطنين.

وفي ظل المزاج العام الثوري المتجدد في الضفَّة، وترسخ ظاهرتيّ “عرين الأسود” و”كتيبة جِنين”، اللتين على الأرجح ستتمددان إلى مناطق جديدة في الضفَّة حسب ما توحي الأحداث، في ظل هذا الوضع، ستقابل زيادة استفزازات المستوطنين وهجماتهم ردود فعلٍ مؤثرةٍ من الفلسطينيين، وهنا سيجد الاحتلال نفسه في مواجهة المخاطر الأربعة الآنفة ذاتها، تلك التي يحاول تفاديها من خلال عدم القيام بحملات اجتياحٍ عسكريةٍ واسعةٍ في الضفَّة.

لذلك، يبدو أن نجاح تلك النماذج الفاشيَّة في انتخابات “الكنيست”، ستكون عاملاً مساعداً في تسريع اشتعال الضفَّة، التي تعيش حالة غليانٍ في الأساس، وهذا يفرض على فصائل المقاومة في غزة، وأيضاً سائر قوى المقاومة الإقليمية، إعداد الخطط لمواكبة الأحداث التي يُحتمَل أن تشهدها الضفَّة والأراضي المحتلة عموماً، لا سيما أن محور المقاومة كان قد حدد مسألتيّ تهديد سلامة المسجد الأقصى وقُبَّة الصخرة على أنَّهما خطٌ أحمرٌ.

إذن، تشير نتائج انتخابات “الكنيست” في ظاهرها إلى كونها تهديداً إضافياً لمستقبل الصراع العربي –الإسرائيلي، لكن يمكن عدُّها في العمق فرصةً جديدةً أمام الفلسطينيين ومحور المقاومة، وذلك من أجل تحقيق إنجازٍ جديدٍ وملموسٍ على طريق التحرير الكامل، لا سيما في ظل التراجع الواضح لقدرة الكيان المؤقت على شن الحروب الواسعة.

وها هي تجربة لبنان الأخيرة في استعادة حقوقه في مياهه الإقليمية ما تزال شاخصةً أمامنا، إذ استطاع إجبار الكيان المؤقت على قبول مطالبه بمجرد تلويح “حزب الله” بالحرب، فكما كان قد أكَّد الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، بأن أحد العوامل التي ساعدت لبنان على استعادة حقوقه في مياهه الإقليمية من دون الحاجة إلى الدخول في حربٍ جديدةٍ، كان انشغال نحو نصف عديد “جيش” الاحتلال في أحداث الضفَّة، ما أثَّر في قدرة ذلك “الجيش” – المتراجعة أصلاً – على فتح جبهة شمال فلسطين المحتلة، وعلينا فقط تَصوُّر ما ستكون عليه حال ذلك “الجيش”، وقدرته على الصمود في الضفَّة، إذا ما كان مضطراً إلى حشد جزءٍ وازنٍ من قواته على جبهتيّ الشمال مع لبنان والجنوب مع غزة معاً، في ظل انتفاضةٍ ثالثةٍ مشتعلةٍ في عموم الضفَّة تقودها “عرين الأسود”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمرو علان
كاتب سياسي فلسطيني