احتدم الصراع من جديد بين فصائل مرتزقة العدوان المدعومة من السعودية والإمارات، مع دفع السعودية تحشيدات عسكرية جديدة من المناطق الشمالية، وسط تصعيد جديد للانتقالي بدعم إسرائيلي مباشر، مع دخول روسيا وإيران المشهد وتلويح مصري بتدخل مباشر.
ويشهد شرق اليمن تصعيداً عسكرياً وسياسياً غير مسبوق، وسط احتدام الصراع بين فصائل المرتزقة الموالية للسعودية والإمارات، وتبادل الاتهامات والخطط الميدانية في سباق محموم على السيطرة والنفوذ. التطورات الأخيرة تشير إلى أن التحالف القديم ينهار من الداخل، فيما تتحول حضرموت والمهرة إلى مسرح مواجهة إقليمية ودولية مفتوحة.
ودفعت السعودية خلال الأيام الأخيرة بتعزيزات عسكرية ضخمة قادمة من مأرب والجوف والمناطق الحدودية الشمالية، بعد إعادة تشكيلها تحت مسمى “قوات درع الوطن”، ونقلها إلى مناطق العبر والوديعة في صحراء حضرموت. تأتي هذه الخطوة تزامناً مع بدء الفصائل الانفصالية التابعة للإمارات إخلاء مواقعها في مديريات وادي حضرموت، وتحديداً في الخشعة، التي تمثل نقطة الفصل بين الوادي والساحل، وذلك إثر إنذارات سعودية مباشرة عبر طلعات جوية ألقت قنابل دخانية تحذيرية فوق مواقعهم.
ويُنظر إلى هذا التحرك بوصفه محاولة سعودية لاستعادة زمام المبادرة شرق اليمن، وإعادة رسم خريطة السيطرة على خطوط النفط والموانئ الاستراتيجية، في مواجهة تمدد النفوذ الإماراتي الذي يهدد بتغيير موازين القوى. ويرى مراقبون أن الرياض تسعى إلى إنهاء هيمنة الفصائل الجنوبية وإعادة تموضع قواتها الشمالية لتثبيت نفوذها الدائم في تلك المناطق.
على الصعيد السياسي، اشتعلت الأزمة بين الرياض وأبوظبي مجدداً بعد تسريبات عن لقاء مرتقب بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس مجلس القيادة رشاد العليمي لإعادته إلى واجهة المشهد، وهو ما اعتبرته الإمارات تحدياً صريحاً لمشروعها في الجنوب. المستشار الإماراتي عبد الخالق عبد الله وصف “الشرعية” بأنها عبء على التحالف، في تصريح فُسّر على أنه رسالة غضب من أبوظبي إزاء التحركات السعودية المتفردة.
في المقابل، يواصل عيدروس الزبيدي تحركاته السياسية والعسكرية في اتجاه الشمال، محاولاً خلط الأوراق وخلق جبهة متعددة الولاءات تحت شعار “مواجهة الحوثيين”، بينما الهدف الحقيقي هو استنزاف القوى اليمنية وتفتيت الجبهة الداخلية لتمهيد الطريق أمام إعلان الانفصال الكامل. وقد التقى الزبيدي مؤخراً عدداً من قيادات حزب الإصلاح والمؤتمر، في خطوة وصفت بأنها محاولة لاختراق المشهد السياسي الشمالي لصالح الأجندة الإماراتية.
التطور الأخطر تمثل في دخول إسرائيل العلني على خط الصراع. فقد كشفت هيئة البث العسكرية الإسرائيلية عن نقاشات مباشرة بين جيش الاحتلال والمجلس الانتقالي الجنوبي بشأن دعم عسكري وأمني واقتصادي لتأسيس كيان انفصالي موالٍ للإمارات، مقابل التزامات بضمان حرية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن ومواجهة القوى المناهضة للاحتلال في المنطقة.
كما أكدت مصادر مطلعة أن المرتزق خالد اليماني، وزير خارجية المرتزقة الأسبق، تم تكليفه بمهام “سفير غير معلن” للانتقالي لدى العدو الإسرائيلي، وأنه أجرى زيارات سرية إلى تل أبيب وواشنطن، التقى خلالها مسؤولين من الموساد والكنيست لتسويق مشروع الانفصال في المحافل الدولية.
ورغم هذا التقارب، فإن الأوساط الإسرائيلية أبدت تشكيكاً في قدرة الانتقالي على الصمود أو تحقيق مكاسب استراتيجية. فقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن السيطرة على المهرة وحضرموت لن توفر لإسرائيل سوى نفوذ محدود على الممرات البحرية، محذّرة من الانخراط المباشر في الملف اليمني، وداعية إلى الاكتفاء بالتنسيق غير المعلن مع الإمارات في إطار “تحالف الظل”.
في المقابل، تحركت روسيا وإيران بثقل دبلوماسي متزايد بطلب سعودي مباشر لاحتواء التصعيد الإماراتي ووقف محاولات واشنطن فرض أمر واقع يخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي. وكشفت مصادر غربية عن تحضيرات لعقد قمة روسية–إيرانية في العاصمة السعودية لمناقشة الوضع في البحرين العربي والأحمر، حيث حصل سفيرا البلدين في الرياض على تفويض لعقد اجتماعات استثنائية مع وزير الخارجية السعودي. هذه الخطوة تأتي في سياق المناورة السعودية لكسر الطوق الأمريكي وتوسيع هامش تحالفاتها مع القوى المنافسة للغرب بعد الاتفاق مع طهران بوساطة صينية.
وتعكس هذه التحركات أن شرق اليمن بات ساحة صراع مفتوحة بين محور واشنطن–تل أبيب–أبوظبي من جهة، ومحور الرياض–طهران–موسكو من جهة أخرى، في معركة تتجاوز حدود اليمن إلى صراع جيوسياسي على موارد الطاقة وخطوط الملاحة الحيوية التي تربط البحر العربي بالمحيط الهندي.
وفي تطور جديد، دخلت مصر رسمياً على خط المواجهة السياسية محذّرة من تداعيات المشروع الانفصالي الإماراتي. فقد نشرت صحيفة الأهرام، الناطقة باسم الدولة المصرية، افتتاحية حادة وصفت فيها سيطرة الفصائل المدعومة من أبوظبي على شرق اليمن بأنها “جرس إنذار خطير يهدد أمن الخليج والبحر الأحمر ومصر نفسها”، داعية إلى تدخل عربي عاجل لوقف الانقلاب على وحدة اليمن ومنع الفوضى في الممرات البحرية.
الموقف المصري جاء بعد أسابيع من تحركات أردنية لدعم الفصائل الموالية للسعودية شرقي البلاد، في إطار ما يُعتبر اصطفافاً عربياً متنامياً ضد المشروع الإماراتي–الإسرائيلي في المنطقة.
ويؤكد هذا التنامي في المواقف أن الخطر لم يعد يمنياً فحسب، بل إقليمياً يهدد أمن البحر الأحمر وخطوط التجارة الدولية، وأن تحركات الإمارات والانتقالي نحو التحالف العلني مع الكيان الإسرائيلي أيقظت المخاوف من مخطط يرمي إلى تحويل جنوب اليمن إلى قاعدة استخباراتية وعسكرية تخدم الاحتلال في معركته ضد محور المقاومة.
المشهد الراهن ينذر بـ انفجار شامل في الجبهة الشرقية لليمن، حيث تتقاطع المصالح وتتناقض الأجندات، وتتحرك القوى الكبرى في صراع مفتوح على الأرض اليمنية. ومع استمرار تدفق القوات والتحشيدات، ودخول أطراف جديدة على خط المواجهة، تبدو معركة “القبضة المشتعلة” مرشحة لأن تكون الفصل الأخطر في حرب النفوذ التي تعصف بالمنطقة بأكملها.