المزيد
    الرئيسية بلوق الصفحة 830

    “تُعادل 10 دونات في اليوم”.. كيف يؤثر إدمان الأجهزة الذكية على الأطفال؟

    دراسة تظهر أن استخدام الأجهزة الذكية لتهدئة الأطفال الصغار أو احتوائهم أثناء نوبات الغضب، يمكن أن يعيق نموّهم العاطفي الصحي، ويجعلهم أكثر تقلّبًا مع مرور الوقت. في كتابه “Man disconnected” يدقّ عالم النفس والكاتب فيليب زيمباردو جرس الإنذار، محذّراً من تأثير التكنولوجيا والأجهزة الذكية على الصبية، ومعتبراً أن الذكورة (أو الرجولة) في حالة انهيار، نتيجة تأثير هذه الأجهزة على صحتهم النفسية وعواطفهم ورؤيتهم لذاتهم.

    الكتاب الذي نُشر منذ أعوام، ألقى الضوء على جوانب خفية من مشكلة ظاهرة. وهي “الغزو التكنولوجي المخيف الذي يشكّل خطراً حقيقياً على الأطفال، أما الجانب الخفي فهو الإجابة عن سؤال: كيف تؤثر هذه الأجهزة الذكية على الأطفال فعلياً؟”.

    في معرض الإجابة عن هذا السؤال، أُجريَت عشرات الدراسات، وقد تناول بعضها أثر الأجهزة الذكية على الصحة الجسدية والبدنية للأطفال، فيما بحثت دراسات أخرى في تأثير هذه الأجهزة على صحة الأطفال النفسية والعقلية وسلوكهم. وبدا أن دراسة هذا الشق من التأثير قد بات يأخذ حيّزاً واسعاً من اهتمام الباحثين والمختصّين.

    في هذا الصدد، أظهرت دراسة أن استخدام الأجهزة الذكية لتهدئة الأطفال الصغار أو احتوائهم أثناء نوبات الغضب، يمكن أن يعيق نموّهم العاطفي الصحي، ويجعلهم أكثر تقلّبًا مع مرور الوقت. وكان باحثون قد نشروا في “JAMA pediatrics” (مجلة طبيّة شهريّة تنشرها الجمعية الطبية الأميركية) دراسة أجريت على 422 من الآباء وأطفالهم الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 5 سنوات.

    الدراسة التي تم إجراؤها في الفترة الممتدة من آب/أغسطس 2018 إلى كانون الثاني/يناير 2020، وجدت أن الأطفال الذين يهدّئون أنفسهم بالهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، يتخذون قرارات أضعف، وأصبحوا سريعي الانفعال أكثر، بعد مدة ثلاثة وستة أشهر.

    ورداً على استبيان، أبلغ آباء الأطفال الذين يتمتعون بحماسة عالية، عن حدوث تراجع إدراكي حاد في الأداء التنفيذي، وطفرات في التفاعل العاطفي. الباحثة الرئيسية في الدراسة، جيني راديسكي، طبيبة الأطفال التنموية والسلوكية، وأستاذة طب الأطفال في كلية الطب في جامعة ميشيغان، قالت إن إسكات طفل يبكي أو يصرخ بالأجهزة يمكن أن يعزّز السلوك السيئ، عبر تقديم “مكافأة ممتعة”.

    معدّو الدراسة أشاروا في تقريرهم إلى أن استخدام مقاطع الفيديو أو التطبيقات أو الصور الفوتوغرافية لتشتيت انتباه الطفل الصغير أو تهدئته، وعلى الرغم من أنه قد يكون فعالاً، إلا أن نتائج الدراسة تدلّ على أن هذه الممارسة قد تصبح عادة أكثر شيوعاً مع الأطفال الأكثر تفاعلاً عاطفياً، وهذا قد يؤدي إلى تراجع مهارات تنظيم المشاعر لديهم، مع مرور الوقت.

    راديسكي نصحت الآباء الذين يقولون إن الأجهزة ومقاطع الفيديو هي الأشياء الوحيدة التي تهدئ أطفالهم، باستخدام مقاطع الفيديو التعليمية. وحذّرت من أن أي “إلهاء عالي المتعة” كمقاطع الفيديو التي تُظهر مقاطع الفيديو المخيفة والعنيفة، يمكن أن تسبب مشاكل على المدى الطويل.

    يشبّه راي جواريندي، عالم النفس الإكلينيكي، تهدئة المشاعر المضطربة عبر السفر في عالم الأجهزة، بتطوير “برنامج لياقة بدنية يتضمّن تناول 10 كعكات دونات في اليوم”. الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال توصي بعدم استخدام الشاشة للأطفال دون عمر عامين، وألا تزيد مدة استخدامها من الذين تتراوح أعمارهم بين 2 إلى 5 عن ساعة واحدة في اليوم. ويحذّر المختصون بشكل مستمر من أن الأجهزة الذكية تقلل من مدى الانتباه، وتجعل من الصعب على الأطفال التركيز.

    تقول لورا ديكوك، التي تقود ورش عمل عن الصحة النفسية للعائلات: “جسدياً، يمكن أن يؤدي قضاء الوقت على الشاشات بدلاً من ممارسة الرياضة واللعب، إلى مشاكل مثل السمنة لدى الأطفال ومشاكل الرقبة والظهر المزمنة. عقلياً، يمكن أن يعيق تنمية المهارات المعرفية والاجتماعية”. وهذا يؤكد أن التأثير النفسي والعقلي والعاطفي لاستخدام الأجهزة الذكية، لا يقل خطورةً وضرراً عن التأثير الجسدي.

    الدراسة أجريَت قبل انتشار فيروس كورونا ودخول العالم في سلسلة فترات إغلاق متتالية. ووفقاً لدراسة أخرى منفصلة، نشرتها أيضاً مجلة “JAMA pediatrics”، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، فقد تضاعف وقت الشاشة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و13 عاماً من 3.8 ساعة يومياً إلى 7.7 ساعة يومياً بين عامي 2019 و2020.

    فترات الإغلاق المطوّلة والمتكررة التي شهدتها معظم الدول، بالإضافة إلى اللجوء للتعليم عن بعد، أدّت بطبيعة الحال إلى المزيد من الارتفاع في معدل الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات الذكية، وهذا ما يثير القلق من حجم التأثير السلبي الذي قد تتركه هذه الأجهزة على صحة الأطفال.

    يقول خبراء الصحة العقلية إن الآثار السلبية للأجهزة على الأطفال الصغار، قد تفاقمت على الأرجح خلال العامين الماضيين. كما أظهر عدد من التقارير أن الأطفال قد اكتسبوا الوزن، وتأخروا في المدرسة، وعانوا من طفرات في القلق السريري والاكتئاب أثناء التعلم الافتراضي في عصر الوباء.

    الآن وقد بات تأثير الأجهزة الذكية على الأطفال معروفاً ومحدداً، فقد صار ضرورياً طرح حلولٍ واقعية وعاجلة.

    فورين أفيرز تحذّر من صفقة تطبيع “سيئة” مع السعودية

    ذكرت الصحافة الأمريكية أن واشنطن والرياض اتفقتا على الخطوط العريضة لاتفاق التطبيع، على الرغم من أن العقبات الرئيسية أمام مثل هذا الاتفاق لا تزال قائمة. وفي هذا المقال في فورين أفيرز يدعو الكاتبان دانيال سي كورتزر وآرون ديفيد ميلر الولايات المتحدة أن تتأكد من أنها لا تتنازل كثيرًا للرياض على حساب الكيان المؤقت. وقد اعتبر المقال أن عدم وجود صفقة هو أفضل من صفقة سيئة على أي حال، مشيرًا إلى أن اتفاق التطبيع الصهيوني السعودي ربما كان يستحقّ أي ثمن في الثمانينيات أو التسعينيات لكن ما فعلته إدارة ترامب من كسر للجليد بين الكيان والدول الخليجية وانخراط الرياض أصلًا بعلاقات أمنية واستخبارية مع الكيان المؤقت، كل ذلك أدى إلى توقع صفقة أكثر أهمية مع السعوديين.

    يعتبر المقال أن السعودية هي شريك غير موثوق فيه حتى تعمد الإدارة الأمريكية إلى توقيع اتفاقيات الضمان معه، خاصة أن السعودية لا تشترك بأي قيم مع الولايات المتحدة. بالإضافة إلى تسعير النفط والعلاقات مع روسيا والصين. فالسعودية كما يقول المقال قد أصبحت طرفًا فاعلًا مستقلًا تتبع مصالحها دون أخذ مصالح الولايات المتحدة في الاعتبار. ويقول إن السعوديين لا يعتزمون إنهاء ارتباطهم الطويل مع واشنطن، لكنهم يتطلعون إلى شراكات إضافية.

    وبالتالي، إذا قرر بايدن المضي قدما في هذه المبادرة الجريئة ولكن المعقدة، فعليه أن يعقد العزم على إبقاء المعايير عالية – سواء من حيث الحد من المطالب السعودية أو دفع السلام الصهيوني الفلسطيني. ويوصي المقال بأنه من الأفضل عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق بدلا من التوصل إلى اتفاق يعطي السعوديين الكثير، ويفشل في تأمين ما يكفي في المقابل، ويضفي الشرعية على الحكومة الصهيونية الحالية دون وقف جهودها لضم الضفة الغربية. كما يجب على واشنطن أيضا أن تضع في اعتبارها أن المستفيدين الرئيسيين من أي اتفاق سيكونون كيان إسرائيل والمملكة العربية السعودية – وليس الولايات المتحدة.

    وفيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

    كانت إدارة بايدن حذرة من محاولة إحلال السلام في الشرق الأوسط، وتفكر الآن في دفع دبلوماسي كبير في المنطقة. الهدف الأساسي ليس إحياء عملية السلام الصهيونية الفلسطينية البائدة، بل سد الفجوة بين صديقين للولايات المتحدة: تطبيع العلاقات بين كيان إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وألمح الرئيس الأمريكي جو بايدن في أواخر يوليو تموز إلى أن التقارب الصهيوني السعودي قد يكون في الطريق. مرتين في الشهر الماضي، زار مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان المملكة العربية السعودية. وفي الأسبوع الماضي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن واشنطن والرياض اتفقتا على الخطوط العريضة لاتفاق التطبيع، على الرغم من أن العقبات الرئيسية أمام مثل هذا الاتفاق لا تزال قائمة.

    من النادر في سجلات صنع السلام في الشرق الأوسط أن تسعى ثلاث حكومات علنًا إلى تحقيق نفس الهدف. وفي ظاهره، سيكون اتفاق التطبيع الصهيوني السعودي إنجازًا كبيرًا. لكن شركاء واشنطن في هذا الترتيب المرتقب هم نظام سعودي قمعي يبدو أنه يعمل بشكل متزايد لتحقيق أهداف متعارضة مع الولايات المتحدة وائتلاف حاكم صهيوني يتألف من الأحزاب اليمينية والسياسيين الأكثر تطرفًا في تاريخ البلاد. ولهذا السبب، لن يؤدي أي اتفاق تطبيع فقط إلى تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة. يجب على إدارة بايدن التأكد من أنها لا تتنازل عن الكثير للرياض دون أن تطلب ما يكفي من القدس، خاصة عندما يتعلق الأمر بمخاوف الفلسطينيين.

    صفقة جيدة، شركاء سيئون

    في ثمانينيات أو تسعينيات القرن العشرين، ربما كان اتفاق التطبيع الصهيوني السعودي يستحق أي ثمن تقريبا. لكن الزمن قد تغير. في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ساعدت الدبلوماسية الأمريكية في كسر الجليد بين كيان إسرائيل ودول الخليج. أضفت اتفاقيات إبراهيم الطابع الرسمي على تطبيع العلاقات بين كيان إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة. أثار توقيع هذه الاتفاقيات توقعا لصفقة أكثر أهمية مع السعوديين.

    وكما هو الحال، تحتفظ القدس والرياض بعلاقات استخباراتية وأمنية، وإن كانت غير معلنة. ويتعاون البلدان بطرق محدودة أخرى: تسمح المملكة العربية السعودية لشركات الطيران التجارية الصهيونية بالتحليق عبر مجالها الجوي في طريقها إلى آسيا، ووقعت كيان إسرائيل على صفقة أعادت فيها مصر جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية، وهناك اتفاق معلق من شأنه أن يسمح للحجاج المسلمين من كيان إسرائيل بالقيام برحلات مباشرة إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج.

    وفقا لصحيفة الغارديان، التقى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في المملكة العربية السعودية مرة واحدة على الأقل مع ولي عهد محمد بن سلمان، المعروف باسم MBS. أظهرت الرحلات الجوية المباشرة من كيان إسرائيل إلى قطر خلال كأس العالم في عام 1980 أنه قد يكون من الممكن توسيع دائرة التعاون. في الواقع، أصبحت كيان إسرائيل والمملكة العربية السعودية شريكتين استراتيجيتين بحكم الأمر الواقع في مواجهة التحدي المتزايد من إيران والتهديدات من الجماعات الجهادية.

    لكن احتمالات التوصل إلى اتفاق تطبيع بين الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تنطوي على ضمانات أمنية أمريكية رئيسية، تخفف منها الحقيقة غير المريحة المتمثلة في أن المملكة العربية السعودية شريك غير موثوق به بشكل متزايد لواشنطن. وعلى الرغم من عقود من العلاقات الوثيقة، فإن وصف المملكة العربية السعودية بأنها حليف للولايات المتحدة هو امتداد حقيقي. لا تشترك الحكومة السعودية تقريبا في أي قيم مع الولايات المتحدة، على الأقل تلك المتعلقة بالديمقراطية والحرية، وتختلف مصالحها بوضوح عن مصالح واشنطن في مجال حقوق الإنسان وتسعير النفط والعلاقات مع الصين وروسيا. لقد أصبح السعوديون أطرافا فاعلة مستقلة، تتبع مصالحهم الخاصة بشكل مفهوم، ولكن في كثير من الأحيان دون أخذ مصالح الولايات المتحدة في الاعتبار.

    إنهم لا يعتزمون إنهاء ارتباطهم الطويل مع واشنطن، لكنهم يتطلعون إلى إقامة شراكات إضافية عندما يخدم ذلك مصالحهم. وعلى هذه الخلفية، يمكن أن يكون للتقارب بين الرياض والقدس قيمة، ولكن فقط إذا كان الثمن مناسبا. يجب على واشنطن أن تقرر كم هي مستعدة لدفع السعوديين مقابل صفقة تطبيع وما هي على استعداد لقبوله من إسرائيل فيما يتعلق بالفلسطينيين.

    يجب أن تكون إدارة بايدن حريصة على عدم التنازل عن الكثير أو قبول القليل جدا. وتطلب الرياض من واشنطن دعم برنامج نووي مدني، بما في ذلك حق المملكة العربية السعودية في تخصيب اليورانيوم. يجب أن ينطوي أي تصدير للتكنولوجيا النووية الأمريكية إلى المملكة على ثلاث التزامات سعودية صارمة: توقيع اتفاقية تعاون نووي مع واشنطن تتضمن متطلبات قوية لمنع الانتشار النووي، والتوقيع والتصديق على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي يعزز قدرات التحقق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والسماح بالتفتيش الأمريكي في الموقع والمراقبة الإلكترونية لمنشآتها.

    وحتى لو وافقت الرياض على هذه التدابير، يجب على الولايات المتحدة أن ترسم الخط الفاصل لمنح المملكة العربية السعودية الحق في تخصيب اليورانيوم والقدرة على التحكم في دورة الوقود. ووفقا لموقع “سيمافور” الإخباري، اقترح المسؤولون السعوديون إنشاء “أرامكو نووية” – وهو مشروع أمريكي سعودي مشترك من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة موقعا لتطوير برنامج سعودي للطاقة النووية المدنية. لكن هذا لا يزال يعني السماح بتخصيب اليورانيوم داخل المملكة العربية السعودية – وهو أمر رفضته واشنطن سابقا ولا ينبغي لها السماح به بسبب مخاوف الانتشار النووي وعدم القدرة على التنبؤ بالرياض. وفي نهاية المطاف، يجب أن تتفوق سياسة الولايات المتحدة العالمية لمنع انتشار الأسلحة النووية على الاعتبارات الأخرى، كما هو الحال دائما تقريبا. وحقيقة أن محمد بن سلمان قد أعرب عن اهتمامه بامتلاك أسلحة نووية يؤكد فقط على الحاجة إلى توخي الحذر.

    جزء مهم من أي صفقة جيدة مع المملكة العربية السعودية سيكون المعاملة بالمثل. لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تضغط بقوة على السعوديين لتحسين سجلهم في مجال حقوق الإنسان، وتحقيق الاستقرار وتحسين الوضع في اليمن، وأخذ المخاوف الأمريكية في الاعتبار عند تحديد أسعار النفط. يجب على واشنطن أيضا أن تضغط على الرياض من أجل مزيد من الشفافية بشأن علاقتها الناشئة مع بكين والمطالبة بضمانات أمنية مشددة لأي أسلحة أو تكنولوجيا تنقلها الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية.

    ومن المرجح أيضا أن يطلب السعوديون التزاما ملزما من الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة بقوة إذا تعرضت لهجوم. لا ينبغي لإدارة بايدن تحت أي ظرف من الظروف أن تقدم مثل هذا الالتزام. التهديد الرئيسي للمملكة العربية السعودية ليس غزوا بريا بل ضربات جوية وصاروخية وتخريب داخلي. بالتأكيد، يمكن للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية العمل على التنسيق الأمني، بما في ذلك تدابير الدفاع الجوي والصاروخي المتقدمة، التي لا تجبر الولايات المتحدة على التدخل تحت أي ظرف من الظروف. وبدلا من ذلك، يمكن لمثل هذا التنسيق أن يلزم واشنطن بالتشاور مع المملكة العربية السعودية حول أفضل طريقة لمساعدتها في الدفاع ضد تهديد خارجي. ويمكن للولايات المتحدة أيضا أن تمنح الرياض وضع حليف من خارج حلف شمال الأطلسي، مما يوفر فوائد في التجارة الدفاعية والتعاون الأمني، وهو رمز قوي للعلاقة الوثيقة.

    سيرغب السعوديون أيضا في الحصول على تأكيدات بأنهم يستطيعون شراء أنظمة أسلحة أمريكية متطورة. ويمكن تلبية هذا الطلب ما دام يسير جنبا إلى جنب مع الضمانات المناسبة لضمان الإشراف والرقابة المناسبين. وسيكون الكونغرس الأمريكي – الذي سيكون دعمه وتنسيقه وموافقته مطلوبا لجميع هذه التدابير – بمثابة كابح مفيد لضمان عدم ذهاب إدارة بايدن بعيدا. في الواقع، يجب أن يكون أحد أهداف التطبيع الإسرائيلي السعودي ومعاهدة السلام هو تقليل الحاجة إلى المزيد من القوات الأمريكية في المنطقة، وليس تعزيزها.

    لا تقل لا

    سترحب كيان إسرائيل بتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ولكن يجب عليها القيام بدورها لإنجاح الصفقة. يجب على إدارة بايدن أن تطلب من الحكومة الصهيونية وقف إصلاحها للسلطة القضائية بينما تستمر المفاوضات حول التطبيع مع المملكة العربية السعودية. يتعامل بايدن مع الحكومة الأكثر تطرفا وأصولية في تاريخ كيان إسرائيل، وهي حكومة ملتزمة بتقويض الطابع الديمقراطي لكيان إسرائيل وضم الضفة الغربية. إن تأييد الولايات المتحدة لأي اتفاق تطبيع بين كيان إسرائيل والمملكة العربية السعودية سيضفي الشرعية على هذه الحكومة الصهيونية ويعزز حظوظ نتنياهو السياسية. قد يكون هذا ثمنا تستعد إدارة بايدن لدفعه، لكن عليها على الأقل استخدام ما لديها من نفوذ الآن لمنع تآكل الديمقراطية الصهيونية.

    وعلى نفس القدر من الأهمية، يجب على الإدارة الأمريكية أن تبني في أي اتفاق تطبيع صهيوني-سعودي رؤى تعالج بمصداقية مخاوف الفلسطينيين وتحافظ على إمكانية حل الدولتين – مهما طال أمد الاحتمالات. وكان السعوديون مصرين علنا على الحاجة إلى تعزيز المصالح الفلسطينية لكنهم لم يقدموا أي تفاصيل. قد يعتقد المرء أن المملكة العربية السعودية ستكون حذرة من ربط نفسها من خلال التطبيع بالحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ كيان إسرائيل. ويبدو أن محمد بن سلمان يميل إلى أن يكون مرنا في ما يطلبه نيابة عن الفلسطينيين، لكن والده، الملك سلمان، أكثر تقليدية، مما يشير إلى أن متطلباته ستكون صعبة – ربما بما في ذلك الاعتراف بالسيادة الفلسطينية على مجمع الحرم الشريف، المعروف أيضا باسم جبل الهيكل، في القدس.

    من المحتمل أن إدارة بايدن، في حرصها على تأمين صفقة تطبيع، لن تدفع السعوديين إلى مطالبة كيان إسرائيل بحزمة كبيرة بما يكفي للفلسطينيين. ومن الممكن أيضا أن يستبعد محمد بن سلمان ونتنياهو واشنطن من المفاوضات إذا اعتبرا أن الثمن الأمريكي مرتفع للغاية، وتوصلا إلى فهمهما الخاص فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. لكن إدارة بايدن لا تزال تتمتع بنفوذ لا ينبغي أن تتردد في استخدامه.
    الديمقراطيون في الكونغرس يتحدثون بالفعل عن أهمية ربط أي اتفاق صهيوني سعودي بشيء ذي مصداقية للفلسطينيين. ولا يمكن أن يكون هناك تطبيع للعلاقات بين الرياض والقدس بدون U.س. الضمانات. آخر شيء يجب أن تريده إدارة بايدن لكل حملها الثقيل في الولايات المتحدة – العلاقة الثنائية السعودية هي السماح لنتنياهو وائتلافه بالإفلات من المأزق عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.

    وهذا يعني أن المطالب الأمريكية والسعودية يجب أن تكون كبيرة بما يكفي لوقف ضم كيان إسرائيل الفعلي للأراضي المحتلة وجعل من المستحيل على الفلسطينيين رفض التوصل إلى اتفاق. يجب أن تشمل هذه المطالب تجميدا كاملا ويمكن التحقق منه ومراقبا لجميع الأنشطة الاستيطانية خارج المناطق السكنية القائمة داخل المستوطنات التي تأذن بها كيان إسرائيل في الكتل الكبرى؛ ووقف بناء المستوطنات أو البؤر الاستيطانية الجديدة؛ وتفكيك جميع البؤر الاستيطانية التي أنشئت بعد عام 2001 (بما يتفق مع الالتزام الذي تعهدت به الحكومة الصهيونية في عام 2004)؛ ووقف إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية القائمة وعودة المستوطنين إلى البؤر الاستيطانية أو المستوطنات التي تم إخلاؤها. في عام 2005 ؛ والتزام رسمي من قبل حكومة كيان إسرائيل (وليس فقط رئيس الوزراء) بحل الدولتين الذي يتضمن عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية.

    الحكومة الصهيونية الحالية لن تقبل هذه الشروط. لكن المطالبة بها كجزء من عملية دبلوماسية ثلاثية من شأنها أن تضع نتنياهو في موقف غير مريح لرفض التطبيع مع المملكة العربية السعودية من أجل استرضاء وزرائه المؤيدين للضم. وإذا زار محمد بن سلمان القدس وقدم عرضه للسلام مباشرة إلى الكنيست الصهيوني، فإن الضغط على نتنياهو سيزداد أضعافا مضاعفة، مما سيجبره على الأرجح إما على التواصل مع المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية للاستفادة من العرض السعودي أو الدعوة إلى انتخابات جديدة.

    ومن غير المؤكد بأي حال من الأحوال ما إذا كانت المعارضة الصهيونية، بقيادة مرشحها الأكثر ترجيحا لمنصب رئيس الوزراء، بيني غانتس، مستعدة لمنح نتنياهو شريان حياة والموافقة على نوع من ترتيبات التناوب لقيادة الحكومة، ومن المرجح أن تؤدي الاضطرابات السياسية التي قد تنجم عن مثل هذا العرض إلى تأخير مبادرة التطبيع. ولكن عندما تستأنف، فإنها ستفعل ذلك على أساس أسلم بكثير، مما يمكن الصهاينة والسعوديين من وضع شروط وتسلسل اتفاق التطبيع ومعاهدة السلام.

    العنصر الفلسطيني في هذه الدقيقة الدبلوماسية بسيط: لا تقل لا. وينبغي أن يكون الفلسطينيون على استعداد لتعزيز التعاون الأمني مع كيان إسرائيل والالتزام بإجراء انتخابات ديمقراطية. وفي المقابل، يمكنهم السعي للحصول على التزام مالي طويل الأجل من السعوديين وغيرهم لإعادة بناء بنيتهم التحتية وإنشاء مؤسسات الدولة المفترضة.

    لا مخاطرة ولا مكافأة

    ومن المرجح أن تعكس الطريقة التي تختار بها إدارة بايدن موازنة مطالبها مع مطالب الأطراف الأخرى دوافعها في دفع اتفاق التطبيع هذا. من الواضح أن اتفاق التطبيع الصهيوني السعودي الذي توسطت فيه الولايات المتحدة مصمم لمعالجة مخاوف الولايات المتحدة بشأن النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، مع فائدة إضافية تتمثل في إعادة تأكيد القيادة الأمريكية في المنطقة. كما أن اتفاق التطبيع سيكون إنجازا مهما في السياسة الخارجية قبل انتخابات عام 2024، وإن كان من غير المرجح أن يسجل الكثير في أذهان الناخبين. وسيكون تتويجا مناسبا لعقود من الجهود الأمريكية لوضع حد للصراع العربي الصهيوني.

    وبالتالي، إذا قرر بايدن المضي قدما في هذه المبادرة الجريئة ولكن المعقدة، فعليه أن يعقد العزم على إبقاء المعايير عالية – سواء من حيث الحد من المطالب السعودية أو دفع السلام الصهيوني الفلسطيني. من الأفضل عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق بدلا من التوصل إلى اتفاق يعطي السعوديين الكثير، ويفشل في تأمين ما يكفي في المقابل، ويضفي الشرعية على الحكومة الصهيونية الحالية دون وقف جهودها لضم الضفة الغربية. يجب على واشنطن أيضا أن تضع في اعتبارها أن المستفيدين الرئيسيين من أي اتفاق سيكونون كيان إسرائيل والمملكة العربية السعودية – وليس الولايات المتحدة.

    صفقة جيدة ستكون طموحة دبلوماسيا ويحتمل أن تكون تحويلية. وستسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الإقليمي الحالي وتعزيز القيادة الأمريكية. إذا ذهبت إدارة بايدن بشكل كبير، فلديها فرصة لإحياء عملية السلام الصهيونية الفلسطينية المكسورة، كما قال الولايات المتحدة.س.- العلاقات السعودية على مسار مفيد للطرفين، والحفاظ على الأمل في مستقبل أفضل الصهاينة والفلسطينيين على حد سواء. ولكن إذا سارت الأمور على أنها صغيرة أو أبرمت صفقة سيئة، فستفوت الإدارة فرصة نادرة للتقدم نحو السلام، ومن المرجح أن تؤدي إلى تآكل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بدلا من تعزيزها.

    صراع الموانئ السعودي – الإماراتي: عدن الأكثر تضّرراً

    صراع الموانئ السعودي – الإماراتي: عدن الأكثر تضّرراً

    تزوّدت مدينة عدن المحتلة، خلال الأسابيع الماضية، بالوقود التجاري من مدينة المخا الساحلية الخاضعة هي الأخرى لسيطرة ميلشيا مدعومة من تحالف العدوان، فيما استوردت محطات الكهرباء وقوداً من مدينة المكلا، عاصمة حضرموت. ويعيد هذا الواقع تسليط الضوء على الأضرار التي تعانيها المدينة نتيجة تعطيل مينائها، وهو أحد أهم الموانئ في العالم، بإرادة إماراتية، جراء تخوّف أبو ظبي من منافسته ميناء جبل علي.

    لأول مرة في تاريخها، تستورد مدينة عدن الوقود من مدينة المخا، فيما واصلت مؤسسة الكهرباء في المدينة استيراد حاجتها من الوقود عبر ميناء المكلا. ونقلت وسائل إعلام موالية لحكومة المرتزقة أن ميناء الزيت توقف عن إمداد المحطات التجارية بالوقود بعد نفاد مخزون الوقود الخاص بالتجار القادم إليه، لأسباب ربما تتصل بضعف الحركة التجارية وكساد الأسواق. وذكر عاملون في مجال تزويد محطات الوقود التجارية أنها باتت تتزود بالوقود عبر مكتب تجاري يدعى «الوداد»، يقوم باستجلاب كميات من الوقود إلى عدن، ومن ثم بيعها إلى محطات الوقود التجارية الخاصة.

    يأتي هذا في وقت ترغب فيه السعودية في أن تعيد حكومة المرتزقة بسط سيطرتها على كامل المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة، ومنها مدينة عدن، مركز الثقل السياسي والتجاري، فيما تعمل دولة الإمارات على الاستفادة من حال التشرذم المستمرة في البلاد، إذ يسمح لها ذلك بمواصلة سيطرتها على الموانئ اليمنية. مع هذا، يلقي القريبون من أبو ظبي باللوم على كبار التجّار في عدن الذين «يعمدون إلى المضاربة التجارية على حساب عدن ومينائها».

    في ظاهر الأمر، يأتي انحسار الدور الملاحي لميناء عدن، نتيجة قرار حكومة المرتزق معين عبدالملك، رفع قيمة الدولار الجمركي بداية العام الحالي، ورفضها التراجع عن القرار، على رغم تحذيرات الاقتصاديين والتجار من الانعكاسات السلبية لذلك على حركة التجارة في الميناء، وارتفاع الأسعار في المناطق المحتلة، وخاصة بعد منع حكومة الإنقاذ في صنعاء دخول الشاحنات القادمة من عدن إلى مناطق سيطرتها. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنه في السنوات الأولى للحرب على اليمن، تعرّض ميناء عدن للتعطيل المتعمّد من قبل ميليشيات موالية للإمارات، حتى إن معدّاته تعرّضت للصدأ والتلف بسبب الإهمال والترك من دون صيانة.

    وفي إطار مساعيها لاستعادة زمام المبادرة في جنوب اليمن، وتحت ضغط أغلب القوى المشكّلة لما يسمى بالمجلس القيادة المدعوم من تحالف العدوان، عمدت السعودية إلى تقليص الطموح الإماراتي بتعطيل ميناء عدن، إذ زوّدت الميناء المذكور بالعديد من الرافعات، فضلاً عن صيانة المعدّات الأخرى، حيث سجّل الميناء عام 2019 حركة هي الأكبر في تاريخه على الإطلاق، وذلك قبل أن ينحدر إلى أدنى المستويات في العام الحالي.

    وطوال السنوات الماضية، أُلزم المستوردون من التجار بإدخال بضائعهم عبر المنافذ الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان والحكومة المدعومة منه، واضطرّوا إلى دفع كل الجبايات والأموال التي تطلبها تلك الحكومة وفصائلها المسلحة. وما إن تم فتح ميناء الحديدة العام الماضي، حتى اتّجه التجار إلى الاستيراد عبره، بسبب التسهيلات التي منحتهم إياها حكومة صنعاء وعدم وجود عصابات وميليشيات مسلحة كما في الجنوب تتبع أطرافاً متعدّدة، كل منها يفرض الجبايات على التجار وعلى ناقلات بضائعهم.

    ومنذ عام 2018، باشرت الإمارات إعادة توجيه استراتيجيتها من خلال تغليب مصالحها على مصالح حلفائها. وتمثّلت أهدافها الرئيسيّة في السيطرة على سواحل اليمن وممرّات الشحن، وتطبيق استراتيجية «سلسلة الموانئ»، لكن هذه الخطوات أوقدت جذوة الخصومة بين الرياض وأبو ظبي لأنها أماطت اللثام عن تباين مصالحهما في اليمن. فقد أحكمت الإمارات قبضتها على موانئ جنوبية أساسية والمناطق المحيطة بها. وفعلت ذلك في محافظات عدن وحضرموت وشبوة وتعز (ميناء المخا)، إضافة إلى أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون (المعروفة أيضاً باسم جزيرة بريم) في مضيق باب المندب.

    وتعتبر الإمارات أن ميناء جبل علي في دبي هو المركز اللوجستي والتجاري الأساسي الذي يربط بين أفريقيا وآسيا. لذا، وفي وجه المنافسة الصينية والسعودية المتزايدة على موانئ القرن الأفريقي، اختارت أبو ظبي التركيز أكثر على اليمن، حيث كانت المنافسة الدولية أقل. أما الاستراتيجية البحرية السعودية، فتركّز بشكل أساسي على ساحل البحر الأحمر. ويُعدّ تأمين هذا الممر البحري ضرورياً كي تتمكّن السعودية من تحقيق طموحها الأوسع المتمثّل في ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للسياحة والخدمات اللوجستية في البحر الأحمر.

    غير أن الرياض سلكت في الآونة الأخيرة مساراً مشابهاً لمسار أبو ظبي، وبدأت تنتهج استراتيجية خارج البحر الأحمر، ونجحت في وضع موطئ قدم على بحر العرب من خلال إحكام سيطرتها على ميناء نشطون في محافظة المهرة الواقعة على الحدود مع عُمان، وخصوصاً مشروعها السياحي الضخم في مدينة ميون الذي يندرج ضمن إطار «رؤية 2030».

    وفي هذا السياق، جاءت زيارة رئيس ما يسمى «المجلس الرئاسي»، المرتزق رشاد العليمي الموالي للرياض، إلى المهرة قبل أيام، وذلك في إطار تعزيز السيطرة السعودية على الموانئ المطلّة على بحر العرب، حيث تعمل المملكة على مدّ أنبوب لتصدير النفط، يمكّنها من تجاوز مضيق هرمز.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــ
    لقمان عبدالله

    صنعاء: الوجود الأمريكي في باب المندب عملا عدائياً

    صنعاء: الوجود الأمريكي في باب المندب عملا عدائياً

    تلعب الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود دوراً بارزاً ومؤثراً في الشؤون اليمنية، حيث سعت أمريكا منذ الحرب الباردة إلى الحفاظ على نفوذها في شبه الجزيرة العربية في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، وازداد هذا الدور بشكل كبير بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وإعلان ما تسمى الحرب على الإرهاب، والتي اتخذت منها أمريكا سبباً للتدخل في شؤون الدول بشكل مباشر، إذ تبنت أمريكا سياسة تدخل أكبر في شؤون المنطقة بحجة مكافحة الإرهاب.

    وفيما يخص اليمن، فقد استخدمت الولايات المتحدة طائرات مسيرة دون طيار بحجة استهداف تنظيم القاعدة وانتهكت السيادة اليمنية بشكل كبير حيث راح ضحية الهجمات الأمريكية العديد من الأبرياء المدنيين، ومع بداية العدوان على اليمن والذي أعلن بشكل مباشر من واشنطن ، انحازت أمريكا إلى جانب قوات التحالف بقيادة السعودية ودعمت تحالف العدوان على اليمن بجميع أنواع الأسلحة.

    أما في منطقة باب المندب الاستراتيجية، فقد عززت أمريكا وجودها العسكري هناك تحت مسمى ضمان حرية الملاحة، ولكن في الحقيقة الهدف الأساسي لوجود تلك القوات هو حماية مصالح كيان “إسرائيل” حليفتها الرئيسية، فالولايات المتحدة تحرص على تأمين حركة السفن والناقلات الصهيونية في البحر الأحمر، لذلك، ينظر اليمنيون بقلق للدور الأمريكي المتعاظم في المنطقة، ويرون فيه تهديداً لمصالحهم وسيادتهم الوطنية، إلا أن واشنطن ماضية في تعزيز وجودها هناك، مدعومة بحلفائها الإقليميين.

    إن موضوع التدخل الأمريكي في منطقة باب المندب يعتبر من القضايا الشائكة والمعقدة في المنطقة، وقد أثار تصريح وزير الدفاع اليمني بشأنه الكثير من الجدل، فمن ناحية، ترى الولايات المتحدة أن وجودها العسكري في المنطقة يهدف بالدرجة الأولى إلى مكافحة الإرهاب وحماية حرية الملاحة في مضيق باب المندب الاستراتيجي، إلا أن اليمن يرى أن هناك أهدافاً أخرى لهذا الوجود، وتصرح القيادات اليمنية دائماً أن أمريكا تحاول السيطرة على هذه المنطقة الحيوية لمصلحة “إسرائيل”، والواقع أن هناك تاريخاً طويلاً من التدخل الأمريكي في الشؤون اليمنية، كما أن أمريكا حليفة رئيسية لـ كيان “إسرائيل” في المنطقة، لذلك، فمن الطبيعي أن تنظر أطراف مثل اليمن بعين الريبة لوجود عسكري أمريكي قرب أراضيها.

    في هذا السياق قال وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية خلال رحلته إلى محافظة تعز أثناء زيارته للوحدات في المنطقة العسكرية السادسة بالبلاد ، إن وجود الولايات المتحدة في باب المندب والبحر الأحمر ليس بسبب الإرهاب ، ولكن بسبب الكيان الصهيوني. وحسب ما نقلته وكالة الأنباء، فقد قام وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ الوطني بزيارة للوحدات في المنطقة العسكرية السادسة وقال أثناء زيارته للمنطقة ولقائه مع القوات اليمنية في جبهة تعز سنحرر كل أراضي اليمن من أيدي المحتلين.

    وقال وزير الدفاع اليمني “إذا كان العدو يسعى للسلام فنحن نرحب بالسلام وإذا سعى لتصعيد التوتر فنحن جاهزون للمواجهة”، وأكد وزير الدفاع اليمني أن “القوات المسلحة جهزت نفسها وستكشف القيادة عن أسلحة جديدة في الوقت المناسب… هناك أراض وجزر يمنية محتلة في المياه الإقليمية للبحر الأحمر وخليج عدن والمياه الإقليمية حول المحيط الهندي، كل هذه المناطق ستتحرر “، وأضاف: “أتت دول كثيرة من جميع أنحاء العالم إلى باب المندب ومياه اليمن بسفنها بحجة محاربة الإرهاب، لكن في الحقيقة جاؤوا بسبب العدو الصهيوني ودعم مصالحه واحتلال الأراضي اليمنية ونهب الثروات “.

    التداعيات

    يرى اليمنيون أن التدخل الأمريكي في اليمن وخاصة في منطقة باب المندب يحمل العديد من الآثار السلبية، حيث يعتبر وجود القوات الأمريكية في القرب من اليمن وفي بعض المناطق في المحافظات الجنوبية المحتلة انتهاك واضح لسيادة اليمن وتدخل سافر في شؤونها الداخلية من قبل قوة أجنبية، وهذا يهدد أمن واستقرار اليمن، فدعم القوات الأمريكية للمجموعات المسلحة التابعة لتحالف العدوان يعمل على تصعيد التوتر في الداخل اليمني في ظل الهدنة.

    وفي السياق نفسه لا يمكن فصل التصعيد الأمريكي، عن تصاعد حالة الغليان الشعبية المتقدة ضد قوى التحالف وما تسمى حكومة المرتزقة في المحافظات الجنوبية اليمنية المحتلة، وخصوصاً مع موجة الاحتجاجات الغاضبة رفضاً لانهيار الوضع المعيشي واستمرار ما تسمى حكومة المرتزق معين و ما يسمى مجلسها الرئاسي في تصدير الوهم للمواطنين، الأمر الذي ينذر بانفجار انتفاضة شاملة، يرى الأمريكي أنها ستطاله في المقام الأول باعتباره الراعي الأول والرئيسي للتحالف السعودي الإماراتي وفصائله.

    الأهم من ذلك، أن التصعيد الأمريكي يعكس مخاوف عميقة تعيشها الإمبراطورية العجوز من تنامي وتعاظم القدرات العسكرية والحربية لقوات صنعاء، والإحساس الأمريكي بالعجز عن مواجهة صنعاء، في حال آلت الأمور إلى استئناف الحرب، حيث يرجح أن تكون المعركة بحرية، باعتبار التحشيدات العسكرية الأمريكية الغربية المستمرة في مياه البحرين العربي والأحمر، وتأكيد صنعاء على حقها المشروع في طرد القوات الأجنبية من سواحلها الاستراتيجية.

    على كل حال، فإن التصعيد الأمريكي المستمر في اليمن، ستكون له تداعيات كبيرة على مستقبل الحرب وبالتأكيد على مستقبل قوى التحالف السعودي الإماراتي وفصائلها، حيث يؤكد مراقبون أن التصعيد سيؤدي في نهاية المطاف إلى استئناف الحرب، وخصوصاً مع استمرار قائدة التحالف، بالتنصل من تنفيذ التزاماتها في الملف الإنساني، وهي الحرب التي تؤكد مجمل المؤشرات، أن نتائجها ستكون لمصلحة صنعاء، إذا ما أدركنا مختلف التطورات والمعطيات والحقائق على الواقع.

    الأطماع الأمريكية في اليمن

    تولي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً كبيراً باليمن نظراً لموقعه الاستراتيجي على باب المندب، وتسعى من خلال تدخلها في الشؤون اليمنية لتحقيق مجموعة من الأهداف والمصالح الأمريكية في المنطقة، فمن الناحية الجيوسياسية، ترى الولايات المتحدة أن اليمن يمثل عمقاً استراتيجياً لها، كما أن سيطرتها على باب المندب ستمكنها من التحكم بحركة النفط والتجارة العالمية، كذلك تسعى أمريكا لحماية حليفتها كيان “إسرائيل” ودعم أمنها من خلال وجودها في اليمن.

    أما اقتصادياً، فاليمن يمتلك احتياطيات نفطية وغازية هائلة غير مستغلة بعد، ما يشكل جاذبية كبيرة للشركات الأمريكية للاستثمار في هذا المجال، كما تتطلع الولايات المتحدة للسيطرة على الموانئ اليمنية الحيوية مثل عدن. وعلى صعيد الأمن، تبرر أمريكا تدخلها بمحاربة الإرهاب والقاعدة، إلا أنها تواجه اتهامات بممارسة أجندة خفية لتعزيز نفوذها وسيطرتها على المنطقة على حساب السيادة اليمنية.

    إجمالاً، تستغل أمريكا حالة الفوضى في اليمن لترسيخ وجودها وتحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية، مستفيدة من ضعف الدولة اليمنية، ما يثير مخاوف اليمنيين من الأطماع الأمريكية تجاه بلادهم.

     

    احتجاجات تشعل عدن ودعواتٌ للخروج ضد الاحتلال و “كهرباء عدن” تتهمُ العدوان والمرتزقة بتجاهل معاناة المواطنين

    احتجاجات تشعل عدن ودعواتٌ للخروج ضد الاحتلال و “كهرباء عدن” تتهمُ العدوان والمرتزقة بتجاهل معاناة المواطنين

    تصاعدت الاحتجاجات الشعبية في عدن، مساء الإثنين، احتجاجا على انعدام الخدمات ومنها خدمة الكهرباء، فيما أقدم المحتجون على قطع عدد من شوارع المدينة وأضرموا النيران في إطارات السيارات. وأوضحت مصادر محلية أن المواطنين خرجوا في تظاهرة مسائية غاضبة للتنديد باستمرار تدهور الخدمات الأساسية في ظل وعود وهمية من قبل حكومة المرتزقة الموالية لتحالف العدوان وفشلها في وضع حد للانهيار المستمر.

    ودعا ناشطون وشخصيات مؤثرةٌ في مواقع التواصل الاجتماعي، أهاليَ مدينة عدن المحتلّة، الخروج إلى الشوارع الرئيسية، وتنظيم مظاهرات احتجاجية واسعة، بعد تجاهل تحالف العدوان وحكومة المرتزِقة، معاناة المواطنين المتفاقمة جراء استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن منازلهم لوقت طويل في اليوم بلغت 16 ساعة.

    وأشَارَ الناشطون إلى ما تعيشُه مدينةُ عدن المحتلّة وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة تحالف العدوان والاحتلال، من أوضاع اقتصادية ومعيشية كارثية وأزمات متكرّرة في الخدمات الضرورية أبرزها الكهرباء والمياه، ناهيك عن الانفلات الأمني المخيف.

    يأتي ذلك في وقت أعلنت مؤسّسة الكهرباء في عدن المحتلّة، أمس الاثنين، عن توقف محطاتها وانقطاع التيار الكهربائي في أحياء المدينة القابعة تحت سلطة الاحتلال وأدواته ومرتزِقته.

    واتهمت كهرباء عدن، تحالف العدوان وحكومة الفنادق، بتجاهل مطالب المؤسّسة بتوفير الوقود الكافي لتشغيل محطات الكهرباء، لافتةً إلى أن جميع مناشداتها لم تلقَ استجابة حقيقية تضمن استمرارية التشغيل لمنظومة التوليد؛ ما أَدَّى إلى توقف أكثر 80‎ %‎ من المنظومة عن الخدمة في ظل ارتفاع حجم الطلب على الطاقة، إلى جانب تفاقم معاناة المواطنين؛ بسَببِ ارتفاع ساعات انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف ودخول المدينة في ظلام دامس، مبينًا أن عملية انقطاع التيار الكهربائي في عدن المحتلّة أَدَّى إلى وفاة الكثير من المواطنين بينهم كبار السن والمرضى.

    السيد نصر الله للبنانيين: حذار الحرب الأهلية

    السيد نصر الله للبنانيين: حذار الحرب الأهلية

    رغم أن لبنان اليوم مختلف عن الماضي القديم والجديد بفضل وجود طرف مقاوم قوي وقادر ومصر على اعتبار الانخراط في الحرب خطاً أحمر، فإن أداء بعض اللبنانيين المتماهي إلى أبعد الحدود مع الأجندات الخارجية يجعل الحذر واجباً.

    لا يغادر هاجس الحرب الأهلية الفضاء العام في لبنان. الحروب الأهلية المتتالية على مدى تاريخ الوطن الصغير تفرض نفسها بقوة، وخصوصاً أن اللبنانيين لم يقوموا بعد أي من جولاتهم الاقتتالية بمعالجات تؤدي إلى المصالحة الوطنية الحقيقية على طريقة جنوب أفريقيا مثلاً، حيث تم العمل وفق قاعدة “نسامح ولا ننسى”. على العكس من ذلك تماماً، وباستثناء محاولات محدودة التأثير، تحايل اللبنانيون على الماضي السيئ، وحاولوا إلغاءه من الذاكرة الجماعية في الكثير من الأحيان. هذا ما حصل تجاه أحداث 1860 و1958، ثم تكرر تجاه ما جرى منذ العام 1975.

    لم يبحث اللبنانيون في أسباب التجارب البشعة في تلك السنوات كمقدمة ضرورية للانتقال إلى مستقبل أفضل. أصروا على مقولة إنها حرب الآخرين على أرضهم، وأن ما قام به كل طرف هو دفاع عن النفس والوجود، وهذا لا شك في أنه من أسباب الانفجارات السياسية التي توصل البلاد دائماً إلى حافة الحرب الأهلية.

    نغمة الحرب الأهلية يتم عزفها بقوة في لبنان هذه الأيام بهدف مواجهة المقاومة. يخرج زعماء وشخصيات يهددون بالعودة إلى “الثياب الزيتية”. ينخرط بعض وسائل الإعلام في عملية تحريض واضحة ومباشرة، ويتم الاستثمار في أي حادثة عابرة من أجل تعميق الانقسامات اللبنانية واللعب على التناقضات.

    هذه الأجواء دفعت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى التحذير الشديد في خطابه الأخير من مخاطر استمرار دفع “زعامات وشخصيات وقوى سياسية البلاد في اتجاه الانفجار والحرب الأهلية”. قال السيد نصر الله: “إن جزءاً من هؤلاء كان يراهن على الانتصار الصهيوني على المقاومة في العام 2006″، ودعا الجيل الجديد الذي لم يعايش الحرب إلى التعرف إلى “ما الذي تعنيه الحرب الأهلية من دمار وهجرة وخراب”، وشدّد على عبثية الرهان على القوى الخارجية التي “لن تتحرك لنصرة المراهنين عليها، بل ستسعر الحرب، وترمي النار على الزيت”.

    في الحقيقة، إن نظرة إلى الوقائع التاريخية تؤكد هذا الأمر، وتظهر أن الحروب الأهلية اللبنانية الدموية انتهت بتخلي الأطراف الخارجية عن أدواتها المحلية، وعن تدمير ذاتي للمتقاتلين، وعن خسائر في الأرواح والممتلكات.

    تظهر الوقائع التاريخية أن خلطة أو مكونات الحروب الأهلية في لبنان تتضمن بشكل مكرر الأسباب الاقتصادي، والنزاعات الطائفية، والتدخلات الخارجية، والأهم من ذلك هو الخلافات حول الخيارات الكبرى في الإقليم والمنطقة.

    عام 1840، وفي ظل الحكم المصري، كانت المرة الأولى التي يتواجه فيها سكان المناطق اللبنانية على أساس طائفي. هزم الموارنة المدعومون من المصريين والفرنسيين الدروز المدعومين من السلطنة العثمانية. ومع أن المسيحيين غيّروا ولاءهم، فالتقى اللبنانيون مرحلياً في وجه المصريين، لكنهم سرعان ما عادوا إلى الاقتتال الشرس. يقول كمال صليبي في كتابه “تاريخ لبنان الحديث” عن تلك المرحلة: “قلما وجدت قطعة أرض لا نزاع عليها بين نصراني ودرزي في جبل لبنان”.

    انتهت هذه المعارك بلا نتيجة حاسمة لأي من الطرفين، بيد أنها كانت سبباً في إنهاء ما عُرف بإمارة لبنان. أعلن العثمانيون إلغاء الوضع الخاص لجبل لبنان مع مفارقتين الأولى أن “المسيحيين الذين كانوا أكبر المستفيدين من الإمارة الشهابية أسهموا رغم ذلك في إسقاطها”، كما يذكر فواز طرابلسي في كتابه عن تاريخ لبنان، والثانية أن الفرنسيين لم يتدخلوا بما فيه الكفاية لحماية الموارنة أو دعمهم، بل سعى قنصلهم للتوسط بينهم وبين الدروز، ما عدّوه خيانة لقضيتهم.

    عام 1842، دخل لبنان مرحلة جدية عنوانها نظام القائمقاميتين الذي عايش فيه اللبنانيون تجربة التقسيم على أساس طائفي. قسم جبل لبنان بين المسيحيين والدروز، وهي فكرة اقترحها المستشار النمسوي ميترنيخ، لكن التجربة أثبتت أن التقسيم لا يمثل حلاً للنزاعات اللبنانية، إذ سرعان ما اشتعلت المعارك داخل كل قسم كما بين القائمقاميتين. يقول كمال صليبي إن “نظام القائمقاميتين كان مصدراً للقلق وكرّس الانقسام الطائفي في البلاد”.

    اشتدت المعارك بين عامي 1858 و1860، وتداخلت التوترات الطائفية مع الأزمات الاقتصادية. حصلت معارك داخل منطقة المسيحيين بين الفلاحين والمقاطعجية من جهة ونشب صراع بين الموارنة والدروز من جهة أخرى، وعلى الرغم من التفوّق العددي للمسيحيين، فإنهم لم يستطيعوا الصمود أمام الدروز المنظمين والموحدين بعد أن حصدت المعارك 11 ألف قتيل و4 آلاف قضوا من الجوع ونزوح 100 ألف نسمة.

    مارس الطرفان المتقاتلان في تلك المعارك التطهير الطائفي. ومرة جديدة، حضر الدور الفرنسي بشكل مباشر. تدخل الفرنسيون هذه المرة عسكرياً من أجل ” مساعدة المسيحيين على إنشاء منطقة مسيحية ذات استقلال ذاتي في جبل لبنان والمساهمة في إعادة الإعمار”.

    أسست تلك المرحلة لأحد الأعراف التي سترافق السياسة اللبنانية حتى اليوم: “التدخل القنصلي في الشؤون اللبنانية”. تسابق اللبنانيون على تقديم الولاءات للدول المؤثرة في تلك الفترة. يوضح كمال صليبي أن “القضية اللبنانية أصبحت من التشابك، بحيث لم تقع حادثة في لبنان إلا كان لها صدى في عواصم أوروبا، وخصوصاً لندن وباريس “.

    وإذ لم تكن أحداث العام 1840 حاسمة لأي طرف، فإن حرب العام 1860 انتهت بهزيمة عسكرية مسيحية؛ بسبب غياب القيادة الموحّدة مقابل الدروز الموحّدين والمتماسكين، وسرعان ما ساهمت التطورات الإقليمية في عودة السيطرة العثمانية المباشرة على جبل لبنان من دون بذل الدول الأوروبية أي جهد من أجل منع ذلك. ويبدو أن الإدارة العثمانية المباشرة لتلك المناطق في ظل نظام المتصرفية ضمن الاستقرار، ولو نسبياً، ولكنه لم يضع حداً للمغامرات اللبنانية الدموية.

    وعام 1958، عاد اللبنانيون إلى متاريسهم المتقابلة. في تلك المرحلة، عدّ الأميركيون لبنان واحداً من المواقع الأميركية التي يتعيّن الدفاع عنها ضد تيار القومية العربية الصاعد. بدوره، أبدى الرئيس كميل شمعون استعداده الكامل للانخراط من دون أي تحفظ في المشروع الأميركي. وقد أجاز في العام 1954 للطيران الحربي الأميركي أن يستخدم الأجواء اللبنانية لطلعات استكشافية، وأعلن تأييده لحلف بغداد في العام 1955. وفي عام 1957 ربط شمعون لبنان بمبدأ آيزنهاور.

    كل ذلك في ظل معارضة المسلمين الشديدة لهذه السياسات. اغتيل الصحافي نسيب المتني المعارض لشمعون، فانطلقت التظاهرات التي سرعان ما تحوّلت إلى قتال مسلح. تدخل الأميركيون عسكرياً بشكل مباشر، ونزلت وحدات المارينز على شاطئ خلدة. غرقت البلاد في سلسلة أعمال عنف تميزت بالصدامات الطائفية المسلحة والخطف على الهوية. ومرة جديدة، تنتهي الحرب بتسوية سياسية برعاية إقليمية دولية وتخذل الدول أدواتها. على عكس ما كان يتوقع من مكافأة على خدماته، تخلى الأميركيون عن شمعون ودعموا وصول فؤاد شهاب إلى الرئاسة.

    لم تكن مقولة “لا غالب ولا مغلوب” التي كررها اللبنانيون بعد تلك الحرب إلا وسيلة غير موفقة لإخفاء حقيقة الأسباب العميقة للانقسام اللبناني الذي عاد ليعبّر عن نفسه بدموية أكبر في العام 1975.

    في ذلك العام، كانت الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية أشد تعقيداً. انقسم اللبنانيون حول الموقف من كيان “إسرائيل”، وحول الوجود الفلسطيني في لبنان، والعمليات العسكرية لـ”منظمة التحرير الفلسطيني”، في ظل نظام اقتصادي مشوّه ونظام سياسي مريض. تزامنت الحرب الأهلية مع تبني الولايات المتحدة عقيدة “التصدي لحركات التحرر”. يقول ألبير داغر في كتابه “لبنان المعاصر النخبة والخارج وفشل التنمية” إن “لبنان كان مسرحاً للعمل بهذه العقيدة منذ الستينيات”، وأوضحت وثائق السياسة الخارجية الأميركية عن دور كيسنجر المباشر بالاتفاق مع الصهاينه في تسليح الميليشيات في حرب السنتين. ويشير الكثير من الباحثين عن إشراف الـ”سي آي إي” على قوى سياسية ومجموعات تخريب نشطت آنذاك، وعن مسؤوليتها في العنف المرتكب ضد المدنيين خلال الحرب الأهلية.

    ووصلت الأمور إلى دخول الصهيوني بشكل مباشر من خلال اجتياح 1982 الذي تبعه ازدياد حدة النزاعات المسلحة الداخلية، وتكريس حالة الانقسام وانهيار نقدي وتضخم هائل وتكلفة اجتماعية فادحة وانهيار لمؤسسات الدولة وارتفاع نسبة الهجرة.

    قتلت الحرب 150 ألفاً، وانتشرت عمليات الخطف، وانقسم الجيش، وراهنت أطراف على قوى إقليمية ودولية. سرعان ما تبيّن أن هذا الرهان ما هو سوى نتاج لخطأ في قراءة التحولات الخارجية. انتهت الحرب باتفاق دولي إقليمي على إدارة الوضع في لبنان من دون الأخذ في الاعتبار حسابات ومصالح كثير من القوى الداخلية التي تم التعاطي معها كأدوات خادمة للقوى الخارجية ومنفذة لسياساتها.

    هذا تحديداً ما حذّر منه السيد نصر الله مؤخراً. تكرار التجارب المأساوية والعبثية. فمع أن لبنان اليوم مختلف عن الماضي القديم والجديد بفضل وجود طرف مقاوم قوي وقادر ومصر على اعتبار الانخراط في الحرب خطاً أحمر، فإن أداء بعض اللبنانيين المتماهي إلى أبعد الحدود مع الأجندات الخارجية، وخصوصا الأميركية والإسرائيلية يجعل الحذر واجباً.

    لقد لجأ حزب الله في الفترة الأخيرة إلى احتواء الكثير من المحاولات والاستهدافات، وهو يتصرف كما قال السيد نصر الله “على قاعدة استيعاب الوضع وعدم الذهاب إلى التوتير أو التصعيد”، فهل يتعلّم الآخرون من تجارب التاريخ ويهدأون ويعالجون الأزمات بحكمة وتعقل وروح المسؤولية، ويكفّون عن محاولة استنساخ تجارب سابقة لم تؤدِ إلا إلى التدمير الذاتي، أم أنهم سيعيدون التاريخ مأساة وملهاة فيقع الهيكل على رؤوس الجميع من دون استثناء؟

    الحرب الأهلية، كما يثبت تاريخها اللبناني، وكما قال الأمين العام لحزب الله، “تستنزف الجميع وتضعف الجميع وتأخذ من الجميع أرواحاً وفلذات أكباد ومصائر وأرزاقاً وهجرة”.

    ــــــــــــــــــــــــــــــ
    بثينة عليق

    منظمة انتصاف: الشعب اليمني يتعرض لأبشع الجرائم الإرهابية منذ أكثر من 8 سنوات

    منظمة انتصاف: الشعب اليمني يتعرض لأبشع الجرائم الإرهابية منذ أكثر من 8 سنوات

    أكدت منظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل أن الشعب اليمني يتعرض لأبشع الجرائم الإرهابية من قبل تحالف العدوان الأمريكي السعودي ومرتزقته منذ أكثر من ثماني سنوات.

    وقالت المنظمة في بيان بالتزامن مع اليوم الدولي لإحياء ضحايا الإرهاب وإجلالهم، “يحتفي العالم باليوم الدولي لإحياء ضحايا الإرهاب وإجلالهم الذي يدّعي بأن على الدول الأعضاء المسؤولية الأساسية لدعم ضحايا الإرهاب وإعلاء حقوقهم، كما يدعي بأن الأمم المتحدة تضطلع بدور مهم في دعم تنفيذ العنصرين الأول والرابع من الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب من خلال التضامن مع الضحايا ودعمهم، والمساعدة في بناء القدرات وتعزيز حقوق الضحايا وحمايتها واحترامها”.

    وذكر البيان أن ذلك يأتي وتحالف العدوان ومرتزقته يرتكبون الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، وراح ضحيتها 13 ألفاً و 725 قتيلاً وجريحاً من النساء والأطفال دون تحرك فعال ممن يرفعون شعارات حقوق الإنسان.

    وأشار إلى أن جرائم العدوان وضرباته الجوية استخدمت فيها الكثير القنابل العنقودية والكيماوية وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً، ما تسبب في ارتفاع أعداد المصابين بأمراض السرطان إلى 35 ألف شخص، بينهم أكثر من ألف طفل، كما ارتفعت بعض أنواع الأورام بنسبة تتراوح بين 200 إلى 300 في المائة نتيجة تلك الأسلحة.

    وأكد البيان عدم تنفيذ الاستعراض الثامن الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 22 يونيو 2023 بشأن دعم حقوق الضحايا ودعم احتياجاتهم، سيما النساء والأطفال والمتضررين من العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يرتكبه الإرهابيون، مشيراً إلى أن معدلات العنف القائم على النوع وسط الأطفال في تزايد مستمر، حيث ارتفعت بمقدار 63 بالمائة خلال العدوان.

    وأوضح أن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قوى العدوان في الساحل الغربي بلغت 722 جريمة من بينها جرائم اختطاف واغتصاب نساء وأطفال، لافتاً إلى انتهاكات النظام السعودي باحتجاز وتعذيب عدد من النساء اليمنيات منهن مروة الصبري وفكرة الضبياني وسحر رجب ويسرى شاطر ونزيهة الجنيد.

    وأفاد البيان بارتفاع عدد ضحايا انفجارات مخلفات العدوان إلى ثمانية آلاف و 222 مدنياً منهم 194طفلاً سقطوا ما بين قتيل وجريح.

    وحملت المنظمة، تحالف العدوان بقيادة أمريكا والسعودية المسؤولية عن كل الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين خاصة النساء والأطفال، مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والهيئات الحقوقية والإنسانية بتحمّل المسؤولية القانونية والإنسانية تجاه تلك الانتهاكات والأعمال الإرهابية.

    ودعت أحرار العالم إلى التحرّك الفعّال والإيجابي لإيقاف العدوان وحماية المدنيين، وتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في كافة الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني، ومحاسبة كل من يثبت تورّطه فيها.

    فصائل الإمارات تهين أبناء تعز وترتكب بحقهم جرائم إنسانية وميلشيا الإصلاح تعتقل امرأة بعد الاعتداء عليها في منزلها

    يتعرض أبناء محافظة تعز الذين يعملون في المحافظات الجنوبية اليمنية الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان ومرتقته، لأنواع مختلفة من الإهانات والإساءات من قبل فصائل المجلس الانتقالي المدعومة إماراتياً.

    وقالت مصادر في الحراك الثوري الجنوبي أن “عدداً كبيراً من أبناء محافظة تعز ممن يعملون في المحافظات الجنوبية ويقيمون فيها أيضاً وخصوصاً محافظتي لحج وعدن يتعرضون لانتهاكات جرائم إنسانية وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وفق “المساء برس”.

    وأوضحت المصادر أن واحدة من أشكال إهانة أبناء تعز من قبل مسلحي الانتقالي تتمثل في “تعمد إيقاف المسافرين القادمين من تعز ومطالبتهم بإبراز هوايتهم، فيما يتم سجنهم والسخرية منهم والتعرض لهم بإهانات بالغة، فقط لمجرد عدم وجود وثائق إثبات الشخصية لديهم، بسبب الفساد الإداري في مدينة تعز.

    عناصر الإصلاح تعتقل امرأة بعد الاعتداء عليها في منزلها

    هذا واعتقل مسلحون مرتزقة يتبعون حزب الإصلاح الموالي لتحالف العدوان، امرأة من فئة “المهمشين” من منزلها بعد الاعتداء عليها، في مدينة تعز، جنوبي غربي اليمن. وأوضحت مصادر محلية أن العناصر المسلحة اقتحمت منزل إمرأة تدعى غنية عبدالغني قاسم، في منطقة البعرارة بمديرية المظفر، وقامت بالاعتداء عليها قبل أن تقوم بطردها مع بنات شقيقتها من منزلها واعتقالها.

    واعتبر رئيس الاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقراً ”المهمشين”، نعمان الحذيفي، الحادثة بالأمر التعسفي، مطالبا بسرعة الإفراج عن غنية وتسليم منزلها

    بكين ترفض بيان قمة واشنطن وسيؤول وطوكيو وتعتبره تدخلا في شؤونها الداخلية

    أعلنت بكين، اليوم الإثنين، رفضها للبيان الصادر خلال القمة الأخيرة بين قادة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، والذي انتقدوا فيه ما وصفوه ب “السلوك الخطير والعدواني” للصين في النزاعات البحرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وسيادتها على بحر الصين.

    وجاءت هذه التصريحات ضمن قمة استضافها الرئيس الأميركي جو بايدن في منتجع “كامب ديفيد” القمة، اتفق خلالها الزعماء الثلاثة على معارضتهم لـما وصفوه بـ”السلوك الخطير والعدواني” للصين في النزاعات البحرية في بحر الصين الشرقي والجنوبي.

    وردت بكين، اليوم الإثنين، معتبرةً أنّ القادة “شوّهوا صورة الصين وهاجموها بخصوص قضايا متعلقة بتايوان وقضايا بحرية، وتدخلوا بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للصين وزرعوا الخلاف عمداً بينها وبين جيرانها”.

    وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، وانغ وينبين، إنّ بكين أعربت أيضاً عن “استيائها الشديد ومعارضتها الحازمة وقدّمت احتجاجات رسمية للأطراف المعنية”، مشدداً على أنّ “مسألة تايوان شأن داخلي صيني محض”.

    وأضاف أنّه “إذا كانت الدول المعنية مهتمة حقاً بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان، فعليها الالتزام بمبدأ الصين الواحدة والكفّ عن التغاضي عن الانفصاليين الذين يدافعون عن استقلال تايوان وأنشطتهم ودعمهم، واتخاذ إجراءات ملموسة لحماية السلام والاستقرار الإقليميين”.

    وكانت الصين قد بدأت قبل يومين تدريبات عسكرية حول تايوان، عدّتها بمنزلة “تحذير صارم” في أعقاب الزيارة القصيرة، لنائب رئيسة الجزيرة، وليام لاي، إلى الولايات المتحدة.

    غضب انتقالي ضد إطباق السعودية للحصار على عدن واحتجاجات مسائية تضرم النار في إطارات السيارات

    أطبقت السعودية، اليوم الاثنين، الحصار على عدن، المعقل الأبرز للمجلس الانتقالي، الموالي للإمارات جنوب اليمن. يأتي ذلك بعد يوم فقط على اعتراضه على استبعاده من المفاوضات التي تقودها سلطنة عمان مع صنعاء.

    وغرقت عدن خلال الساعات الماضية بأزمة كهرباء جديدة، حيث خرجت نحو 80% من الطاقة بالمدينة وفق ما نقلته قناة الحدث السعودية. وكانت ساعات انقطاع التيار الكهربائي ارتفعت خلال الساعات الماضية بشكل مفاجئ إلى نحو 9 ساعات إطفاء لكل ساعة ونصف تشغيل.

    في السياق، كشفت وسائل اعلام موالية للانتقالي توجيه السفير السعودي لدى اليمن، محمد ال جابر، بمنع دخول باخرة وقود جديدة لاعتاق المدينة التي تعاني محطاتها من نفاذ الوقود. وأوضحت المصادر بان سفينة كانت قد اقتربت من ميناء عدن قبل توقيفها في عرض البحر بذريعة رفض تحويل المخصصات المالية لمالكها.

    هذه التطورات في ملف الكهرباء الذي بات يشكل هاجس لدى سكان عدن بفعل استغلاله القذر بالصراعات خصوصا في فصل الصيف حيث تصل درجات الحرارة مستويات قياسية، تأتي بعد ساعات على بيان لهيئة رئاسة الانتقالي رفضت فيه مساعي تشكيل لجنة مفاوضات النفط من حضرموت فقط وأكدت تمسكها بمشاركتها في اللجنة. وهددت الرئاسة بإفشال أي اتفاق بين الرياض وصنعاء بذريعة ان ثروات الجنوب لأهلها.

    من جانبه اعتبر القيادي في الانتقالي احمد بن طهيف انهيار الكهرباء بشكل مفاجئ انعكاس طبيعي لما وصفها بسياسة العقاب الجماعي التي تمارس ضد الجنوب، مشيرا إلى أنه في كل مرة يتخذ فيه الانتقالي موقف يأتي الرد بوقف الخدمات وابرزها الكهرباء.

    وتغريدة بن طهيف جزء من انتقادات جديدة للسعودية من قبل ناشطين جنوبيين يجمعون على استمرارها بانتهاج سياسة العقاب الجماعي لتركيع المجلس.

    احتجاجات مسائية تضرام النار في إطارات السيارات

    على ذات السياق، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية في عدن، مساء الإثنين، احتجاجا على انعدام الخدمات ومنها خدمة الكهرباء، فيما أقدم المحتجون على قطع عدد من شوارع المدينة وأضرموا النيران في إطارات السيارات. وأوضحت مصادر محلية أن المواطنين خرجوا في تظاهرة مسائية غاضبة للتنديد باستمرار تدهور الخدمات الأساسية في ظل وعود وهمية من قبل حكومة المرتزقة الموالية لتحالف العدوان وفشلها في وضع حد للانهيار المستمر.

    وقال الصحفي الجنوبي صالح الحنشي: “منازل كل قيادات الانتقالي وأقاربهم لا تنقطع عنها الكهرباء على مدار الساعة، بينما باقي المواطنين ينتظرون ساعة تشغيل للكهرباء بعد انقطاع عشر ساعات”، مضيفا: “قيادة الانتقالي تدعي بأنها قيادة لهذا الشعب، بينما هي في الأساس قيادة لأقاربهم وعائلاتهم. وختم قائلا: المشكلة انكم فقدتم حتى مجرد الاحساس بمعاناة الناس ، واكتفيتم بشلة المتمصلحين التي تلمعكم”.