مقالات مشابهة

تفجيرات دِمشق الأخيرة من يقف خلفها.. ولماذا في هذا التوقيت وما عُلاقتها بالهُجوم على إدلب والتصعيد في لبنان والاستعدادات العسكريّة التركيّة لاقتِحام شمال سورية؟

ثلاثة تفجيرات خطيرة جدًّا استهدفت سورية في الأيّام القليلة الماضية، أوّلها غارات إسرائيليّة على مدينة تدمر وقاعدة الـ”تي فور” الجويّة في حمص، والثّانية مقتل ستّة أشخاص وإصابة أربعة اليوم بانفِجارٍ غامض قيل إنّه وقع أثناء عمليّة إعادة صيانة في مستودع ذخيرة تابع للجيش على طريق حمص حماة.

لكنّ التفجير الذي جرى فجر اليوم واستهدف حافلةً عسكريّةً قُرب جسر في قلب دِمشق، وأدّى إلى مقتل 14 جُنْديًّا على الأقل هو الأكثر خُطورةً، علاوةً على كونه يُؤشِّر لاحتِمالات حُدوث تفجيرات أُخرى لزعزعة استِقرار العاصمة السوريّة بعد سنوات من الأمن والاستِقرار.

المعلومات الأوّليّة عن الهُجوم الأخير، أيّ الذي وقع في قلب العاصمة فَجْرًا، تُوحِي بأنّ الجِهات التي تقف خلفها عالية التّنظيم والتّدريب على الصّعيدين التّنفيذي العمليّاتي والرّصد الاستِخباري، حيث جرى إلصاق عبوات ناسفة بالحافلة المُستَهدفة، وتفجيرها عن بُعد على الأرجح.

آخِر هجمات انتحاريّة استهدفت دِمشق كانت في عام 2017، من بينها هُجومان انتحاريّان على مركزين للشّرطة، وتسبّبت في قتل العشرات، أعلن تنظيم “الدولة الإسلاميّة” أيّ “داعش” عن وقوفه خلفها، لكنّ هذه الهجمات تراجعت بعد تمكّن الجيش العربي السوري في استِعادة سيطرته على بلدة دوما القريبة، وإخراج جميع المُسلّحين منها بالتّالي، إمّا سِلميًّا بتسوية أوضاعهم مع الحُكومة، أو الرّحيل في الحافِلات الخضراء إلى إدلب.

حتى كتابة هذه السّطور لم يُعلِن أيّ تنظيم مُسلّح مسؤوليّته عن هذه الهجمات، وتفجيرات العاصمة السوريّة تحديدًا، كما أنّ المعلومات المُتوفّرة حولها ما زالت شحيحةً، رُغم أنّ السّلطات السوريّة سمحت بنشر صُور للحافلة المُدمّرة، وبعض جُثث الضّحايا، وهذه شفافيّة نادرة.

بعض التّحليلات العربيّة والأجنبيّة تربط بين هذه الغارات والتّفجيرات بالهُجوم السوري الروسي على مدينة إدلب لإخراج المُسلّحين والإرهابيين منها، واستِعادة السّيادة الرسميّة عليها أُسْوَةً بالمناطق السوريّة الأُخرى، مثلما تربط أيضًا بينها وبين أنباء حُشودات واستِعدادات تركيّة لشنّ هُجومٍ عسكريٍّ مُوَسَّعٍ على مواقع للجيش السوري والأكراد (قسد) شِمال غرب البِلاد وشرقها.

الأمْر المُؤكّد أنّ الهُجوم على حافلة الجُنود فجر اليوم يَعكِس اختِراقًا أمنيًّا أقدمت على التّخطيط له، وتنفيذه، خلايا مُحترفة تقف خلفها أجهزة استخباريّة إقليميّة ودوليّة عُظمى، وهُناك من لا يَستبعِد أن تكون دولة الاحتِلال الإسرائيلي على رأسها، مثلما جاء على لسان مُعلّقين سوريين شِبه رسمين على شاشات محطّات التّلفزة العربيّة والدوليّة، ووسائل تواصل اجتماعي.

خِتامًا نقول إنّ عودة التّفجيرات للعاصمة السوريّة أمْرٌ مُقلق على الصّعد كافّة، ولكن احتِمالات السّيطرة عليها والتصدّي لها، تَظَلُّ كبيرةً، لما يتمتّع به الجيش العربي السوري، والجِهات الأمنيّة الأُخرى من خبرةٍ، ونجاحاتٍ كبيرةٍ في هذا المِضمار.

استهداف سورية والعِراق ولبنان الذي نرى إرهاصاته حاليًّا معًا لم يَكُن من قبيل الصّدفة، ويأتي في إطار مُخطّط أمريكي إسرائيلي مُحكَم، بعد تعاظم القُدرات العسكريّة لمحور المُقاومة، وهزيمة أمريكا المُهينة في أفغانستان على أيدي الطالبان، وهزيمة دولة الاحتِلال الإسرائيلي في حرب غزّة الأخيرة.

اختِيار هذا التّوقيت، الذي تُواصِل فيه سورية مسيرة التّعافي بخُطى ثابتة، وتَكسِر عُزلتها السياسيّة والاقتصاديّة عربيًّا (فتح السّفارات والحُدود مع الأردن)، ودوليًّا (عودة الانتربول)، وتفكيك حِصار “قيصر” تدريجيًّا يُؤكِّد أنّ هُناك من يُريد وضع العُصي في دواليب هذا التّعافي، والعمل بكُلّ الوسائل على إعاقته، ولكنّ هذه الأعمال التخريبيّة اليائسة لم يُكتَب لها النّجاح في الماضي، وستُواجِه الفشل نفسه الذي واجهته مُخطّطات سابقة أكبر حجمًا ودعمًا.

رأي اليوم