مقالات مشابهة

أزمة اقتصادية عميقة تعصف ببريطانيا.. إفلاس آلاف الشركات وفقدان العمل يهدد آلاف البريطانيين وعاصفة من الإضرابات تشل البلاد

أكد رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ريشي سوناك، أن المملكة المتحدة تواجه أزمة اقتصادية عميقة تحتاج إلى الوحدة والتعاون.

وقال في أول تصريح له بعد اختياره لمنصبه الجديد: “أتعهد بأن أخدم بنزاهة وتواضع”، مضيفاً “نحتاج إلى إبقاء حزب المحافظين موحدا وكذلك بريطانيا”. وبين أن الاستقرار في بريطانيا يأتي بالتعاون والوحدة، مضيفاً “جمع الحزب والبلاد سيكون أولويتي القصوى”.

كما قال “لدينا فرصة واحدة للإصلاح واستعادة وحدتنا”، مضيفاً: “كل أجنحة الحزب ستكون ممثلة في الحكومة”. كما أكد أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي أولوية حكومته.

موديز تصنف اقتصاد بريطانيا إلى سلبي

من جانبها، غيرت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» توقعاتها للاقتصاد البريطاني إلى «سلبية»، بسبب عدم الاستقرار السياسي وارتفاع معدلات التضخم في البلاد، حسب بيان للوكالة، اليوم الأحد.

وأشارت الوكالة إلى وجود دافعين وراء تغيير توقعاتها للاقتصاد البريطانية، الأول هو «ارتفاع المخاطر على الائتمان البريطاني، بسبب عدم الوضوح في وضع السياسات والتغير المستمر للمشهد السياسي الداخلي».

وقالت إن هذا الأمر أعاق قدرة بريطانيا على التعامل مع الصدمة الناجمة عن توقعات بمستويات نمو أضعف، وارتفاع معدلات التضخم، مضيفة أنها نظرت إلى الميزانية المصغرة للحكومة البريطانية، والتراجع عن أغلب السياسات التي تضمنتها، واستقالة رئيسة الوزراء ليز تراس، على أنها انعكاس لاستمرار عدم الوضوح في السياسات الضريبية، التي كانت سائدة في السنوات الماضية.

فقدان العمل يهدد آلاف البريطانيين

تعيش بريطانيا وضعا اقتصاديا هو الأسوأ منذ عقود، زاد من تفاقمه ما يصفه البعض بـ”تخبط حكومة ليز تراس” السابقة، منذ إعلانها عن “الميزانية المصغرة” التي أدت لتراجع قيمة الجنيه الإسترليني بشكل غير مسبوق، وصولا لإقالة وزير الخزانة كواسي كوارتنغ، وهو رابع وزير خزانة يتولى هذا المنصب الحساس خلال 4 أشهر فقط.

وانعكس هذا الوضع على ثقة رجال الأعمال وأصحاب الشركات في قدرة الاقتصاد البريطاني على التعافي، مع التوقعات المتشائمة التي يصدرها البنك المركزي البريطاني بدخول البلاد في حالة ركود اقتصادي قد تستمر لنهاية سنة 2023.

ويشبه بعض الخبراء ما يعيشه الاقتصاد البريطاني حاليا بوضعه خلال الأزمة الاقتصادية لسنة 2009، خصوصا فيم يتعلق بصعوبة الحصول على القروض وحالات إفلاس الشركات التي وصلت مستوى قياسيا، حيث باتت الآلاف من الشركات عاجزة عن تحمل تكاليف الإنتاج فقررت إعلان إفلاسها.

إفلاس بالآلاف

أظهرت آخر إحصائيات المركز الوطني للإحصاء البريطاني (ONS)، أن مستوى إفلاس الشركات في بريطانيا قد بلغت مستوى قياسيا خلال الربع الثاني من سنة 2022 (من مارس/ آذار إلى يوليو/ تموز)، واقتربت من المستوى القياسي التي تم تحقيقه سنة 2009 وهي سنة الأزمة الاقتصادية العالمية.

وحسب المصدر نفسه فإن عدد الشركات المفلسة ما بين مارس/ آذار إلى يوليو/ تموز قد بلغ 5629، وهو رقم أقل بكثير من الرقم القياسي المسجل سنة 2008 مع بداية الأزمة الاقتصادية، حيث أفلست 7 آلاف شركة في 3 أشهر فقط، لولا أن التوقعات الاقتصادية تشير إلى إمكانية بلوغ الرقم نفسه خلال هذه السنة.

ومن المفارقات أنه في سنة 2020 التي كانت سنة جائحة كورونا وشهدت فيها البلاد إغلاقا شبه تام، لم تشهد البلاد إغلاقات كبيرة للشركات، وكان ذلك بفضل المساعدات التي قدمتها الحكومة للشركات الصغيرة والمتوسطة حفاظا على الوظائف.

وحسب استطلاع رأي في صفوف أصحاب الشركات أنجزته وكالة الإحصاء البريطانية، فإن واحدة من أصل كل 10 شركات، باتت تواجه خطر الإفلاس قبل نهاية هذه السنة، ويضيف الاستطلاع نفسه أن 22% من أصحاب الشركات قالوا إن أسعار الطاقة المرتفعة هي السبب الأساسي في مخاوفهم من الوقوع في فخ الإفلاس، خصوصا مع تأخر الحكومة البريطانية في تطبيق خطة وضع سقف لأسعار الطاقة إلى غاية مارس/ آذار سنة 2023.

هل أزمة الطاقة هي السبب؟

رغم تركيز عدد من أصحاب الشركات على أسعار الطاقة باعتبارها السبب الرئيسي في إفلاس عدد من الشركات، فإن مصطفى البازركان مدير مركز معلومات الطاقة في لندن، يرى أن الطاقة ليست العامل الرئيسي في الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه آلاف الشركات في بريطانيا.

وأكد الخبير الاقتصادي في حديثه مع الجزيرة نت، أن أزمة الطاقة في بريطانيا “هي أزمة تثير أكثر من سؤال خصوصا أن بريطانيا بلد منتج للغاز والنفط من بحر الشمال ولا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي”، مضيفا أن إفلاس الشركات هو “نتيجة طبيعية لعدد من العوامل بداية من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ذلك أن البريكست أثر في نفسية المستثمرين وعدم حسم هذا الملف لحد الآن هز الثقة في مناخ الأعمال البريطاني”.

وألقى المتحدث ذاته باللائمة على السياسات الاقتصادية لحزب المحافظين، “الحزب يعيش ما يشبه حربا أهلية وزراء ذاهبون وآخرون يأتون ولا وجود لأي رؤية وهذا يؤثر على السوق الاقتصادية، لأن رأس المال جبان ولا يحبذ لحظات انعدام الاستقرار لهذا يفضل أصحاب المشاريع إغلاق مشاريعهم قبل تكبد خسائر كبرى”.

وتوقع مصطفى البازركان، أن عدد الشركات المفلسة سوف يرتفع خلال الأشهر المقبلة، “فحالة الركود الاقتصادي باتت شبه أكيدة وغياب أي رؤية اقتصادية لمساعدة الشركات الصغرى”، معربا عن استغرابه من إصرار حكومة المحافظين منح الشركات الكبرى امتيازات ضريبية جديدة.

أكبر إضراب لعمال القطارات منذ عقود

تعيش بريطانيا على وقع إضرابات متتالية هي الأكبر منذ عقود، وتمس بقطاعات حساسة مرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين، وفي مقدمتها خدمة النقل، وخصوصا السكك الحديدية وقطارات الأنفاق.

وأعلنت النقابات الممثلة للعاملين في قطاع السكك الحديدية (نحو 120 ألف عامل) دخول إضراب اليوم الأحد سيشل حوالي 90% من القطارات في البلاد، وسيجعل من التنقل بين المدن البريطانية الكبرى مهمة شبه مستحيلة.

ويعد هذا الإضراب هو الأكبر منذ نصف قرن، وتتبعه إضرابات أخرى في قطاعات حيوية مثل البريد، والتعليم والتمريض، وكلها إضرابات من المتوقع أن تشهدها البلاد خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

والمحرك الأساسي لكل هذه الإضرابات هو ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا بشكل قياسي، بعد بلوغ مستوى التضخم 10%، ورغم قرار رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس وضع سقف لفواتير الغاز والكهرباء حتى لا تتجاوز 2500 جنيه إسترليني في السنة (2900 دولار)، فإن الموظفين ما زالوا يطالبون بزيادة في الأجور المجمدة منذ سنوات.

شلل في البلاد

وسابقاً، اختار عمال السكك الحديدية موعد الإضراب بعناية، وقد صادف اليوم الذي انطلق فيه المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في مدينة بيرمنغهام، وويجد الآلاف من المشاركين في المؤتمر صعوبة في الوصول إلى المدينة والمشاركة في أشغاله.

كما أدى هذا الإضراب إلى مزيد من الارتباك في وصول المشاركين في ماراثون لندن الشهير، واشتكى عدد من المشاركين من عدم قدرتهم على الوصول إلى العاصمة لندن قبل يوم من انطلاق هذا السباق العالمي.

وأدى الإضراب التي شاركت فيه 3 نقابات -هي الأكثر تمثيلا- إلى بقاء 10% من القطارات في الخدمة في عموم البلاد، وتحاول الحكومة البريطانية الجديدة الدخول في مفاوضات مع نقابات العمال، مع تهديد الأخيرة بإضرابات مشابهة خلال الشهر الحالي.

مطالب متزايدة برفع الرواتب

وتواجه الحكومة معضلة حقيقية أمام المطالب المتزايدة لأكثر من قطاع برفع الرواتب، مقابل رفض البنك المركزي هذه المطالب، بدعوى أن أي زيادة في الرواتب ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.

وحسب دراسة مركز أبحاث التجارة والاقتصاد (CEBR)، الذي يوجد مقره في العاصمة البريطانية لندن، فإن إضرابات القطارات تؤثر بشكل يومي على حياة نحو 250 ألف شخص، كما أن كل يوم إضراب يتسبب في خسائر اقتصادية بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني (125 مليون دولار).

ورغم تأثر عشرات الآلاف من المواطنين بهذه الإضرابات، فإنها تجد مساندة شعبية، فحسب استطلاع رأي لمؤسسة “إيبسو موري”، (Ipso Mori) فإن هناك تزايدا لحجم الدعم الشعبي لإضرابات عمال القطارات، حيث أكد 41% أنهم يؤيدون قرارات النقابات بالإضراب، بينما عبّر 31% عن رفضهم.

كما أكد 52% من المستجوبين أنهم يتعاطفون مع مطالب النقابات، بينما قال 64% إنهم لا يوافقون قرار الحكومة بعدم زيادة رواتب العاملين في قطاع السكك الحديدية.

عاصفة من الإضرابات

لن يبدأ إضراب حتى يكون إضراب آخر قد انتهى، وقبل اضراب عمال القطارات انتهى إضراب عمال البريد الملكي (Royal Mail)، الذي يوظف حوالي 170 ألف شخص.

ودام الإضراب ليومين، وهو الأول من بين 3 إضرابات قادمة خلال هذا الشهر والشهر الذي يليه، وتخطط نقابات عمال البريد لخوض 19 يوما من الإضراب، في حال رفضت المؤسسة الاستجابة لرفع أجور العاملين بأكثر من 8%.

ويقول عمال النقابات إن الشركة تحقق أرباحا منذ سنوات دون أن تقْدِم على زيادة أجور الموظفين، في المقابل، تقول الشركة إن كل يوم إضراب يكلفها خسارة بحوالي مليون جنيه إسترليني، مما يعني أن استمرار الإضراب لمدة 19 يوما سيكلف الشركة 200 مليون جنيه إسترليني.

كما انطلق عمال ميناء ليفربول في إضراب قد يستمر لـ10 أيام، وذلك بعد رفض عرض الشركة المُسيّرة للميناء -الذي يعد من أكبر الموانئ في أوروبا- والقاضي بزيادة رواتب العاملين بنسبة 8%.

وما زال الجميع يترقب تصويت نقابات الممرضين والمعلمين على قرار خوض إضرابات في أكتوبر/تشرين الأول الجاري ونوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتعد نقابات التعليم والممرضين من الأكبر في البلاد، وفي حال إقرار المعلمين أو الممرضين لخوض الإضراب، فإن هذا سيشل أكبر قطاعين في البلاد، في فترة حساسة، يكون فيها الإقبال على الخدمات الصحية على أشده.

يحدث كل هذا في وقت تتحول فيه حركة “لا تدفع” (DON’T PAY UK)، المطالبة بعدم دفع فواتير الطاقة، إلى حركة احتجاجية تنزل إلى الشارع بعد أن كانت مجرد حملة على الإنترنت للضغط على الحكومة لخفض أسعار فاتورة الطاقة، وقالت الحركة إنها سوف تنزل في أي مظاهرة عمالية تطالب برفع أجور العمال.

ضربات متتالية

يفسر نهاد إسماعيل خبير اقتصاديات الطاقة، ارتفاع أعداد الشركات المفلسة في بريطانيا “بحالة الإنهاك التي أصابت ميزانية هذه الشركات بسبب ارتفاع فواتير الطاقة، ويكفي أن نعرف أن 200 شركة عاملة في مجال الطاقة أعلنت إفلاسها لأنها لم تعد تتحمل تكاليف الإنتاج”.

وتحدث نهاد إسماعيل -في تصريح للجزيرة نت- عما يسميه “الضربات الهائلة التي تعرض لها الاقتصاد البريطاني”، بداية من البريكست، مرورا بجائحة كورونا، وحالة انعدام الاستقرار الحكومي، وصولا إلى الحرب الأوكرانية وتبعاتها على سلسلة التوريد والإنتاج، “مما جعل تكاليف الإنتاج وعمل الشركات جد مرتفعة إضافة لمشكل النقص الحاد في اليد العاملة الذي أدى لارتفاع أجور العمال في بعض المجالات”.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن إصرار البنك المركزي على الزيادة في سعر الفائدة مهما كلف الأمر لمحاربة التضخم، سوف “يؤدي إلى سقوط ضحايا كثر من الشركات الصغرى والمتوسطة التي تحتاج للقروض من أجل الاستمرار، إلا أنها ستصبح عاجزة عن الحصول على قروض بالنظر لأسعار الفائدة المرتفعة”.