مقالات مشابهة

أهمية الجزر اليمنية.. البحر الأحمر في استراتيجية الكيان الصهيوني

جاءت تعليمات بن غوريون واضحة جدا وحاسمة بضرورة وصول الكيان الصهيوني لـ البحر الأحمر وتنفيذا لتعليماته قام الكيان الصهيوني بالاستيلاء على قرية أم الرشراش وذلك اثر هدنة رودس بين العرب والكيان بعد هزيمة العرب في حرب 1948م وحول الكيان اسم قرية الرشراش إلى إيلات وبعد احتلال الكيان لإيلات اخترق الكيان الصهيوني جدار عزلته ونفذ إلى البحر الأحمر من بوابة ميناء إيلات.

أهداف استراتيجية

تتلخص نظرية الأمن للكيان الصهيوني في التحالف مع القوى الإمبريالية العالمية وتعتمد في ذلك على التسليح المتطور ويهدف الكيان لعدم تكرار محاصرة ميناء ايلات 1973م للتمركز في نقاط قريبة من مضيق باب المندب من خلال نسج علاقات مع العديد من الدول الأفريقية القريبة من البحر الأحمر والبعيدة عنه.

وتتمثل عقيدة الكيان الصهيوني العسكرية في محاولة التأثير في نمط العلاقات والتفاعلات الإقليمية لتعزيز دورها العسكري والسياسي ولضمان استقرارها تقوم على اثارة الحروب في المحيط العربي وللأمن مكانة عظمى في العقيدة الصهيونية فهو بمثابة الدين الموازي للديانة اليهودية فالأمن هو القادر إلى جانب الديانة اليهودية على توحيد الشعب اليهودي.

وللكيان الصهيوني سلاح بحري قوامه الأساسي غواصات الدولفين ولذلك حاول الكيان ان يكون لغواصاته موطئ قدم في البحر الأحمر في المساحة التي تلي مضيق تيران فلكيان الصهيوني ساحل على البحر الأبيض المتوسط يبلغ 238كم تم احتلالها و يمكنه من خلاله وعلى طول سواحله من بناء موانئ للاستخدامات المدنية والعسكرية, أما ميناء ايلات على البـحر الأحمر فلا يتجاوز طوله 11 كم مما لا يجعله دائما لتمركز قطع بحرية ضخمة أو غواصات خاصة النووية منها.

فتمركز اسطوله البحري على البحر الأحمر وابحار قطعها البحرية العسكرية ومنها الغواصات فيه يعد هدفا استراتيجيا بالنسبة لها وهذا يعطيها الكثير من العمق الاستراتيجي التي تفتقر له بسبب مساحته الضيقة وينظر الكيان الصهيوني إلى محاصرة الدول العربية من جهة البـحر الأحمر ولذلك سعت لإقامة علاقات أمنية وعسكرية مع كل من إثيوبيا و إرتيريا اثر استقلالها عن اثيوبيا عام 1993م من أجل التواجد في البحر الأحمر وجزره.

ويسعى الكيان الصهيوني إلى تمزيق الوحدة المائية للبحر الأحمر وأن يكون له تواجد فيه متى أمكن ذلك ولتحقيق ذلك الهدف تمكن الكيان الصهيوني في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من التواجد على 12 جزيرة في البـحر الأحمر كان منها جزر يمنية (حنيش الكبرى والصغرى وزقر) قبل عودتهما لليمن.

وقد أعلن أول رئيس وزراء للكيان بن غوريون أن حياة الكيان اسرائيل وفنائها يعتمد على البحر الأحمر وأكد وزير الدفاع الصهيوني موشى دايان على أهمية البحر الأحمر للكيان الصهيوني بوصفه اياه: هذا الممر هو وسيلة خروج اسرائيل إلى آسيا وأفريقيا واستهدف الكيان اقامة علاقات استخباراتية وأمنية وعسكرية مع الدول الأفريقية عموما والمطلة على البحر الأحـمر خصوصا.

من أجل القفز على محاولات حصاره في شمال البحـر الأحمر ولقد كان على الكيان ضمان حقه بالمرور بمضائق تيران وصنافير لضمان حقها بالمرور من مضيق باب المندب وكما كان على الكيان ضمان حقه في المرور من خليج السويس للوصول إلى قناة السويس وكان ذلك على رأس سلم الأهداف الصهيونية.

احتلال الجزر

استطاع الكيان الصهيوني استئجار مجموعة من الجزر الاستراتيجية الاثيوبية والتي كانت تابعة لإثيوبيا قبل استقلال اريتيريا عام 1993م واستمر الكيان بوضع يده على تلك الجزر وذلك باستئجارها من إرتيريا بعد اقامة علاقات استراتيجية معها وتمكن الكيان من اقامة قاعدتين عسكريتين في إرتيريا تقعان في جزيرتي دهلك وفاطمة جنوب البـحر الأحمر.

وللكيان ايضا قاعدة عسكرية في ميناء مصوع في إرتيريا واخرى جوية في اثيوبيا وكينيا وأوغندا وتشاد على الحدود السودانية وللكيان الصهيوني قواعد عسكرية في جنوب السودان وكان احتلال الكيان على جزيرتي تيران وصنافير وبالتالي سيطرتها على خليج العقبة بغية التحكم بالبـحر الأحمر من أهم الأهداف التي من اجلها شارك الكيان الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصر 1956م.

وأدت العلاقات الاثيوبية – الصهيونية إلى حصول الكيان على مجموعة من الجزر الأثيوبية الاستراتيجية ضمن أرخبيل دهلك ضمن بذلك تواجده بالقرب من باب المندب ولقد تحدث شمعون بيريز حول تلك العلاقات بأن اسرائيل تسعى لإنشاء مصر ثانية في افريقيا وكان يقصد تدعيم اثيوبيا. وتطل مصر على البحـر الأحمر من خلال ساحل يبلغ طوله 1941كم ويعد البحر الأحمر اساسيا للأمن القومي المصري فهو الطريق من وإلى قناة السويس.

كما أن للكيان وبتمركزه على جزر البحر الأحمر يكون قادراً على وضع قواته على التدخل السريع للتعامل مع اي طارئ عسكري كما يوفر له التنصت والعمل الاستخباري مما يوفر له قاعدة كبيرة من المعلومات بما يخدم أهدافه ومصالح أمريكا في منطقة البحر الأحمر وافريقيا. فالتنافس الفرنسي الأمريكي على اشده في افريقيا على الرغم من تحالفهما في اطار حلف الناتو الا أن أمريكا تسعى لكبح جماح فرنسا خاصة في افريقيا.

وقد أبزمت أمريكا مع الكيان الصهيوني اتفاقية للتعاون الاستراتيجي عام 1981م أطلقت أمريكا بموجبها يد الكيان الصهيوني في القارة الأفريقية نيابة عنها وأوكلت اليها توزيع المساعدات الأمريكية الموجهة لدعم التمويل العسكري للدول الأفريقية. فأمريكا جعلت من الكيان الصهيوني بمثابة ترسانة للسلاح الأمريكي وكقاعدة متقدمة جدا في وسط المنطقة العربية من أجل تهديد الأمن القومي العربي وتحقق للكيان ذلك.

باب المندب

كان لخروج بريطانيا من عدن عام 1967م وكذلك من جزيرة ميون الواقعة على باب المندب إثر كبير على اقتناع الكيان الصهيوني بضرورة تعميق علاقاتها مع اثيوبيا إلى اقصى مدى وذلك للتعويض عن الخروج البريطاني من البـحر الأحمر مما كان سيؤدي إلى سيطرة قوى معادية للكيان الصهيوني عليه وعلى منافذه وحاولت بريطانيا حث سكان جزيرة ميون على المطالبة بالاستقلال عن اليمن.

وذلك رغبة من بريطانيا لاستمرارية بقائها في باب المندب خاصة وان التواجد البريطاني في عدن كان يوفر لبريطانيا استمرارية التواجد بالقرب من باب المندب ومضيق هرمز بوابة الخليج العربي. فالتواجد البريطاني في جزيرة ميون كان يحقق لبريطانيا التحكم في بوابة البـحر الأحمر الجنوبية.

وقد حاولت السعودية اقناع بريطانيا بعدم الخروج من الخليج العربي عام 1971م، كما قدمت عرضا بتمويل القوات البريطانية كان قد عرضته دويلة الإمارات في مقابل بقائها في منطقة الخليج إلا أن بريطانيا رفضت العرض الاماراتي قائلة: أن جيش بريطانيا ليس جيشاً من المرتزقة. وبخروج بريطانيا من الخليج العربي عام 1971م تاركة خلفها نظاماً سياسياً خليجياً ضامناً لسياساتها وللسياسات الأمريكية مقابل ضمان بقاء الأنظمة الخليجية وحمايتها ولهذا أطمئن الكيان الصهيوني لتلك الترتيبات وذلك لاطمئنانه على نفوذه في الخليج العربي.

تبددت بوادر الخطر على الملاحة الصهيونية من ناحية باب المندب في حادثة وقعت في 11 يونيو 1971م وهو مهاجمة زورق مسلح ناقلة البترول (كورال سى) التي ترفع علم ليبريا وتحمل شحنة من بترول الخليج العربي الى الكيان الصهيوني كانت تعبر مضيق باب المندب قرب جزيرة ميون ثم بعد ذلك في حرب اكتوبر 1973م والحصار البحري الذي فرض على الملاحة الصهيونية من باب المندب.

أما فيما يتعلق بنفوذ الكيان الصهيوني في البحر الأحمر شعر اتجاهه بالقلق خاصة وأن اريتيريا بدأت بالتحرك للانفصال عن اثيوبيا ولقد رأى الكيان الصهيوني خطورة نشوء كيان اريتيري عربي يأخذ مكان إثيوبيا على البحر الأحـمر فيخسر بالتالي موطئ قدم له في البحر الأحمر وجزره فقام الكيان في فبراير عام 1978م بدعم النظام في اديس ابابا عسكريا في مواجهة الطموحات الاريتيرية رغم انه نظام اشتراكي لكن مصلحة الكيان وضمان تواجده على الجزر الاثيوبية التي كان قد استأجرها والقريبة من باب المندب.

ومع تحقق الكيان من جدية احتمال استقلال اريتيريا عن إثيوبيا فتحولت لربط علاقات استراتيجية مع اريتيريا فضمنت بقائها بالقرب من باب المندب وفي محيط البحر الأحمر فأريتيريا لها ساحل بحري على البحـر الأحمر يمتد لحوالى 1200كم مما يجعل من موقع اريتيريا موقعا استراتيجيا وتقع شرق أفريقيا على ساحل البـحر الأحمر.

وقبل ذلك قام الكيان باستئجار جزر حالب ودهلك وديميرا من إثيوبيا وأنشأت عليها قاعدة عسكرية عام 1967م ونشر الكيان شبكات رادار على الساحل الاثيوبي فالكيان سعى لتأمين وجوده الأمني والعسكري والاستخباري في البـحر الأحمر واعتبره ضماناً لبقائه ولذلك اعلن ابا ايبان وزير خارجية الكيان الصهيوني آنذاك: (ان اسرائيل ستدافع عن مخرج البحر الأحـمر بأي ثمن ) ووفق الكيان إذا كان مخرج قناة السويس بيد مصر فبإمكان الكيان السيطرة على المخرج الجنوبي مضيق باب المندب.

علاقات واسعة

بعد احتلال الكيان على أم الرشراش والنقب عام 1949م توجهت لنسج علاقات مع دول القارة الأفريقية بدعم من أمريكا ودول الغرب ومن أجل توطيد علاقات الكيان بدول القارة الافريقية من أجل إحكام سيطرته على الساحل الغربي للبحر الأحمر وجزره شهدت القارة الافريقية زيارات لقيادات صهيونية كزيارة جولد مائير بعد العدوان الثلاثي على مصر او زيارة ليفي اشكوك رئيس وزراء الكيان عام 1966م وإلى عام 1967م تمكن الكيان من ايجاد 32 بعثة دبلوماسية لها في افريقيا ومع نكسة حزيران 1967م قررت العديد من الدول الأفريقية ايقاف التعامل مع الكيان وقطع علاقاتها معها.

ولكنها عادت تلك العلاقات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979م بين مصر والكيان الصهيوني حيث قام شمعون بيريس بزيارة لعدة دول افريقية بين عامي 1985- 1986م ومن الدول الأفريقية الهامة للكيان اثيوبيا وذلك لإطلالتها على البـحر الأحمر لمنع تحويل البـحر الأحمر لبحيرة عربية. وفي سياق التغلغل الصهيوني في القارة الافريقية وبالذات اثيوبيا من أجل السيطرة على البحر الأحـمر وجزره ودوله أرسل الكيان إلى اثيوبيا وفدا من 400 خبير يمثلون كافة القطاعات في الكيان ولقد كان باب المندب وجزر حالب وفاطمة على رأس أجندة الوفد الصهيوني بتاريخ نوفمبر 1989م.

وفي عام 1990م ابرم الكيان الصهيوني مع اثيوبيا صفقة تحصل بموجبها اديس ابابا على طائرات كافيير الصهيونية عدد 15 طائرة مقابل استمرار الكيان الصهيوني بممارسة حقها باستخدام جزر دهلك كما ارسل الكيان مئات الخبراء الزراعيين للنهوض بقطاع الزراعة في اثيوبيا.

تهديد إيران

للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة في انابة الكيان الصهيوني عنها من اجل القيام بأعمال الاتصال مع الأجهزة الاستخباراتية الأفريقية ومد أمريكا بالمعلومات الأمنية المتعلقة بالنشاطات المعادية لها ولقد كان للكيان دور في انفصال جنوب السودان خدمة للمصالح الأمريكية واضعاف لمصر وذلك من خلال تقديم الدعم لحركة تحرير جنوب السودان فساحلها على البحـر الأحمر يبلغ 720كم.

ومع شن العدوان على اليمن في 26مارس 2015م تتطلع أمريكا للتأكيد على وجودها وسيطرتها على باب المندب وخليج عدن وجزيرة سقطرى حيث يعتبر باب المندب محولا استراتيجيا مؤثرا لشحنات التجارة البحرية وإمدادات الطاقة الدولية من النفط التي تربط منطقة الخليج العربي عبر المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحـمر فأهمية باب المندب قد تضاهي قيمة قناة السويس التي تربط التجارة وخطوط الشحن بين افريقيا وآسيا واوروبا.

حتى الكيان الصهيوني اليوم أبدى قلقا حيال تغيرات الوضع في اليمن بعد عام 2014م لما له من تأثير على قطع وصوله إلى المحيط الهندي عبر البـحر الأحمر وبالذات عبر بوابته الجنوبية مضيق باب المندب ومن ثم منع غواصاته من الانتشار السهل في الخليج العربي لتهديد إيران.