مقالات مشابهة

تأريخ البن اليمني.. البن اليمني محصول استراتيجي وثروة قومية واعدة

يُعد البن من أشهر المنتجات الزراعية اليمنية والذي ارتبط بالتاريخ اليمني وبالهوية اليمنية، والبن اليمني ليس محصولاً زراعياً ومنتجاً زراعياً يمنياً وحسب، بل يعد منتجاً زراعياً استراتيجياً مرتبطاً بتاريخ اليمن واقتصاده الذي يمكن أن يكون له دور كبير في الخطط والدراسات والاستراتيجيات الاقتصادية للبلد.

تأريخ البن اليمني

للبن تاريخ عريق ارتبط واقترن اسمه باسم اليمن، حيث اشتهر المزارع اليمني بزراعة البن وجعل منه منتجاً زراعيا ًاستراتيجياً، فالقهوة اليمنية واحتساؤها ارتبطت ارتباطا ًوثيقاً بالعادات والتقاليد والأسلاف والأعراف اليمنية منذ القدم، والتي تعد من أفضل ما يقدمه المضيف للضيف عند وفوده عليه، فكتب التاريخ تقول إن القرن السادس الميلادي هو القرن الذي شهد انتشار زراعة البن في اليمن.

وقد عُرف البن اليمني باسم ” موكا كافي ” (MockaCoffee) نسبة لميناء المخا الذي كان يتم عبره تصدير البن اليمني. ويشير المؤرخون إلى أن أول من اشترى البن اليمني هم الهولنديون حيث تم تصدير أول شحنة من البن اليمني عام 1628م، ويعتبر البرتغاليون أول من تعرف على البن اليمني من الأوروبيين عندما غزوا السواحل اليمنية.

ومن اليمن انتشر البن إلى مشارق الأرض ومغاربها، فالحجاج اليمنيون هم من قاموا بنقل القهوة اليمنية إلى مكة والمدينة وعبرهم أخذها الحجاج المصريون والسوريون والأتراك والذين بدورهم نقلوها إلى أوروبا وبقية دول العالم.

استطاع الإنسان اليمني أن يقوم بغرس أشجار البن في الوديان والمرتفعات الجبلية، ونظرا ً لقداسة شجرة البن عند الإنسان اليمني قديماً، فقد بنى لها مدرجات زراعية على سفوح وقمم الجبال، ولندرة المياه فقد قام الإنسان اليمني ببناء السدود والحواجز المائية والصهاريج وحفر خزانات للمياه في وسط الجبال بهدف حفظ مياه الأمطار والسيول في هذه الخزانات ليستخدمها في ري وسقي أشجار البن اليمني في أيام ندرة الأمطار وجفاف الغيول والعيون.

وظلت شجرة البن لها مكانتها وقدسيتها عند اليمنيين وحظيت بالرعاية والاهتمام من قبل الجميع، فتم وضع صورة شجرة البن في الشعار الرسمي للجمهورية اليمنية (الطير الجمهوري)، وهذا يدل على مكانتها ودليل على الاهتمام بها.

اليوم الوطني للبن (عيد موكا)

بمبادرة شبابية من حراس البن الذين تبنوا أن يكون يوم 3مارس عيداً وطنيا ًللبن اليمني وأسموه (عيد موكا) والذي تفاعل معه وزير الزراعة والري المهندس عبدالملك الثور وأصدر به قراراً وزارياً، حيث تم الاحتفال هذا العام بالعيد الثالث لموكا، وعن سبب تسميته (عيد موكا) أشار مدير عام إدارة وتنمية البن المهندس محمد حارث إلى أن الهدف هو أن أساس تسمية موكا يمنية نسبة ً لميناء المخا الذي كان يُصدّر منه البن.

ولكن العالم يعتبر موكا علامة تجارية أو اسم نكهة والكل يسمي موكا البرازيل و جامايكا وغيرها من الدول، فنريد أن يعرف العالم بأن موكا هي يمنية ولدينا ما يثبت ذلك في كتب التاريخ ولذلك تمت تسميته (عيد موكا) ليتم الاحتفال به كيوم وطني للبن اليمني، كما يتم الاحتفال باليوم العالمي للبن في الأول من أكتوبر من كل عام.

أهمية شجرة البن بالنسبة للاقتصاد الوطني

يقول مدير عام إدارة وتنمية البن بوزارة الزراعة والري المهندس محمد قائد حارث: إن شجرة البن تعتبر من المحاصيل القومية الاستراتيجية الهامة التي لو اهتممنا بها ووفرنا لها المتطلبات الأساسية للحصول على منتج عالي الجودة فإنها سترفد خزينة الدولة بمليارات الدولارات، ويضيف حارث: لو استطعنا -وفق استراتيجية تنمية البن أن نحقق ما هو مرسوم لنا- أن نصدر 50 ألف طن من البن اليمني بسعر الكيلو 20دولاراً فإننا سنرفد الخزينة العامة للدولة بمليار دولار.

وعن كيفية تحقيق هذا الهدف قال مدير عام إدارة وتنمية البن : إنه يتم السير وفق الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، فمن خلال هذه الرؤية وضعت وزارة الزراعة والري استراتيجية تنمية محصول البن اليمني والتي أقُرّت من مجلس الوزراء في إبريل 2020م– والتي تشتمل على 17 برنامجا، وقد تم تشخيص أبرز المشاكل التي تعاني منها شجرة البن اليمني والمزارعون ابتداءً من إنتاج الشتلة حتى التصدير.

ويضيف المهندس حارث: وضعنا لكل مرحلة من المراحل برنامجاً معيناً ونشاطاً معيناً (إنتاج الشتلات، المشاتل القروية، شبكات الري الحديثة ، الحواجز والسدود، خزانات المياه، ترميم المواجل القديمة، التدريب، التوعية، إدخال التقنية الحديثة، عمل حقول إرشادية، إنشاء أسواق مركزية ” 4 أسواق مركزية” ).

وأوضح محمد حارث أن مصادر التمويل تمت بمشاركة القطاع الخاص والجمعيات والصندوق الاجتماعي للتنمية، وصندوق التشجيع الزراعي والسمكي، ومشروع الأشغال العامة، والمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، والسلطات المحلية في المحافظات، مشيراً إلى أن الوزارة قامت العام الماضي بإنتاج وتوزيع مليون شتلة بن.

وهذا العام تم توزيع 500 ألف شتلة من مشاتل محافظة إب على المزارعين في الضالع وتعز وإب وذمار وغيرها، وأنهم يسعون هذا العام لاستكمال توزيع مليوني شتلة حتى يتمكنوا من الوصول إلى تصدير 50 ألف طن وفق الاستراتيجية الوطنية لإدارة وتنمية البن.

وقال حارث: إن هناك برامج تتبع للشتلات التي يتم توزيعها على المزارعين، بالتعاون مع مكاتب الزراعة بالمحافظات والمديريات من خلال استمارات المتابعة التي يوجد فيها اسم المزارع وعنوانه ورقم الهاتف. وأكد المهندس محمد قائد أن هناك تجاوباً من قبل من المزارعين في استبدال شجرة القات بشجرة البن طواعية في عدة محافظات.

وأوضح أنه خلال العام الماضي تم زراعة 400 هكتار وبهدف تحقيق جودة عالية للبن تمت إدخال التقنية الحديثة مثل المجففات بالتعاون مع القطاع الخاص والتي تم توزيعها على بعض المحافظات وسيتم استكمال التوزيع للمحافظات المتبقية خلال هذا العام، رغم الصعوبات التي نواجهها بسبب الحرب والعدوان والحصار الاقتصادي الذي يفرضه على شعبنا التحالف السعودي الأمريكي منذ ست سنوات.

ومن ابرز الصعوبات في ذلك عدم توفر ميزانية لإدارة وتنمية البن اليمني، والتي لا تزال الميزانية صفراً، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى وتعاون الجميع فإن هناك أنشطة وإنجازات كبيرة على أرض الواقع تحققت لشجرة البن. وأشاد محمد حارث بالمبادرات المجتمعية التي ظهرت في السنوات الأخيرة بشكل كبير ومنها مبادرات شبابية طوعية مثل (حراس البن، ومبادرة بساتين الذهب، ومنظمة يمن ثرتي).

الجمعيات التعاونية واتحاد منتجي البن

وأشار مدير عام تنمية البن إلى أن اتحاد منتجي البن كان أحد مخرجات استراتيجية تنمية محصول البن والذي كان من ضمن برامج الاستراتيجية إيجاد كيان لمنتجي البن ليحفز المجتمع على إنشاء جمعيات تخصصية لمنتجي البن والعمل على التنمية والإنتاج وعملية التسويق والتصدير.

ويضيف حارث أن الاتحاد حصر اسمه في اتحاد منتجي البن وأن هناك تجاوزات وقصوراً وسوء فهم، ما أدى إلى حدوث إرباك بين الوزارة والاتحاد، مؤكدا أنه يتم حاليا تصويب مسار عمل الاتحاد بهدف تنمية وحماية وتطور شجرة البن. وأردف قائلاً: إن الاتحاد وفقا ً للقانون رقم 38 للعام 1998م -يعمل تحت مظلة وإشراف وزارة الزراعة والري فنيا ً، وإدارياً ومالياً تشرف عليه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

الزراعة التعاقدية

رغم أن الزراعة التعاقدية ممارسة جديدة دخلت مؤخرا ً في بلادنا بهدف زيادة الإنتاج الزراعي والتوسع في الرقعة الزراعية، إلا أنها مع شجرة البن موجودة منذ فترة طويلة -كما يقول مدير عام إدارة وتنمية البن -حيث كان المزارع اليمني عندما يحتاج للمال يذهب إلى تاجر البن فيعطيه المال حتى يحين موعد حصاد البن.

ولكن هذه العملية كان فيها إجحاف للمزارع عكس الزراعة التعاقدية الحالية بمفهومها الحالي وشروطها والتي تنصف المزارع والتاجر في نفس الوقت وكذا تعمل على تحسين جودة البن وتقليل التالف منه بسبب إدخال التقنية الحديثة في تجفيف البن والتي يتكفل بتوفيرها التاجر.

الدراسات والبحوث

نظرا ًلأهمية الدراسات والبحوث بتنمية وتطوير محصول البن اليمني، والحفاظ على الجينات الوراثية اليمنية واكتشاف جينات أخرى –حسبما يقول المهندس حارث – فقد تم إنشاء مركز بحوث متخصص بالبن، إلا انه وللأسف الشديد لا توجد هناك دراسات وبحوث يمنية حقيقية وموثقة لشجرة البن اليمنية.. وأضاف: إنهم يعملون مع مركز بحوث البن على تجميع وتوثيق الدراسات والبحوث اليمنية من خلال التواصل مع الجهات والمنظمات المعنية بالبن.

وأشار إلى انه سيتم في القريب العاجل عمل قاعدة بيانات متكاملة عن كافة الدراسات وغربلتها لنعرف إلى إين وصلنا وماهي المعلومات التي لدينا، وسنقوم بالتعاون مع مركز بحوث البن على تعميم الجينات الوراثية اليمنية التي تعتبر ملكاً للدولة ولا يحق لأي كائن كان أن يمتلكها سواء ً أشخاص أو شركات أو منظمات، فهي ملك للدولة، كما سنعمل على إصدار شهادات جودة بما تحتويه من جينات يمنية متميزة، وتكون هذه الشهادات عالمية ومعترفاً بها لجودة البن اليمني الذي لا يوجد له مثيل في العالم.

وبخصوص شركة القمة وما أثير حول اكتشافها جينات يمنية لشجرة البن وامتلاكها هذه الجينات كحقوق وراثية شخصية، أوضح مدير عام إدارة وتنمية البن المهندس محمد حارث قائلاً: إن شركة القمة لم تشعرنا بالبحث ولم نطلع عليه من قبل وهذا تجاوز من قبل الشركة، وأوضح أنه تم الجلوس مع الأخوة في شركة القمة ومع وزارة الزراعة والري ووزارة الصناعة ومجلس الوزراء بهدف اتخاذ القرار بهذا الشأن.

وأكد المهندس محمد حارث أن موضوع الجينات مفروغ منه فلا يحق لأي كائن ٍ كان أن يمتلك الجينات لأنها ملك للدولة، وفقا ًللقوانين اليمنية والعالمية والاتفاقية الدولية للموارد الوراثية، والتنوع البيولوجي، وهذه الاتفاقيات اليمن موقعة عليها والتي من ضمن بنودها (إن الجينات ملك للدولة الموجودة فيها ، لا يحق لأي دولة أن تمتلك جين دولة أخرى، ولا يحق لأي شخص أن يمتلك جيناً)، مؤكدا ً أن الغرب يحاربنا حتى لا تكون لنا بصمة وراثية ولا جين حقيقي.

وأوضح المهندس حارث في ما يتعلق بالخلاف على العلامة التجارية كيمنية أنه يتم تدارس هذا الأمر مع الأخوة في وزارة الصناعة والتجارة، وهذا شأن تجاري كعلامة تجارية وسيتم النظر فيه.

وتبقى شجرة البن هويتنا وجزءاً هاماً من تاريخنا وحضارتنا، وثروة وطنية يجب الاهتمام بها والحفاظ عليها والعمل على تنميتها وتطويرها لتستعيد مكانتها وسمعتها الحقيقية.. هذا ما وعد به مدير عام إدارة وتنمية البن المهندس محمد قائد حارث، شاكرا الإعلام الزراعي والسمكي على تفاعله وتواجده في جميع المحافل والأنشطة والفعاليات الخاصة بالبن.

________________
إعداد / الإعلام الزراعي والسمكي