أعلنت الأجهزةُ الأمنية في صنعاء عن إحباط شبكة تجسُّس مرتبطة بغرفة عمليات استخباراتية مشتركة يقودُها الغربُ الأمريكي الصهيوني وتُدارُ من أراضٍ عربية، مع توريط جهات مخابراتية إقليمية ودولية في خيوط القضية.
هذا التطوُّرُ الأمني يحملُ دلالاتٍ سياسية واستراتيجية تتطلب وقفة تحليلية واضحة، وإيضاح الموقف اليمني شعبيًّا ورسميًّا أمام المحيط الإقليمي والدولي.
أولًا، فيما يتعلق بتأكيد الحق في الدفاع والأمن الوقائي، يُعتبَر ما أعلنته الأجهزة الأمنية نتيجة طبيعية لسياسة دفاعية راسخة: الحق السيادي في حماية الأمن الداخلي ومواجهة محاولات الاختراق الاستخباراتي التي تهدفُ إلى زعزعة الاستقرار وتجهيز الميدان لاعتداءات مستقبلية.
والإعلان عن ضبطِ خلايا وتجهيز مِلفات اعترافات لا يهدفُ إلى الدعاية بقدرِ ما يهدفُ إلى توثيق الأدلة ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء استخدام أراضي بعض الدول كمِنصات لاستهداف سيادة الشعوب.
ثانيًا، ووفق قراءة سياسية للجهات المتورِّطة وأهدافها، الربط الذي عرضه بيان الداخلية بين الشبكة ومخابرات خارجية وإقليمية (بما في ذلك اتّهامات مباشرة إلى جهات ذات ارتباطات مع السعوديّة والولايات المتحدة وكَيان الاحتلال الصهيوني) ليس تَجَنِّيًا بل إعلان موقف يعتمد على اعترافات وأدلة تقنية كما ورد في عرض الاعترافاتِ والتفاصيل الأمنية.
هذا الربطُ يبرّر توصيف السلوك العدواني لبعض الأطراف بأنه امتدادٌ لاستراتيجية إقليمية ودولية تهدف إلى احتواء أَو تطويق قوة ذات نزعة سيادية مشروعة، ومعارِضة لسياسات تلك الأطراف في المنطقة.
ثالثًا، وفي سياق الرسائل والردود السياسية المترِّتبة، ظهر موقف اليمنُ ثوريًا ورسميًّا وشعبيًّا بشكل واضح: لا قبولَ بالمساس بالأمن القومي، وسنتعامل وفقًا لمنهجيتنا القرآنية وشريعتنا الإسلامية، وبحقنا القانوني الدولي وحق الدفاع عن النفس، وضمن الأُطُرِ التي تحدّدها المصالح السيادية.
في الوقت نفسه، تُؤَكّـد التحذيراتُ المتعدِّدة الصادرة عن صنعاء أن استمرارَ التدخلات أَو استخدام أراضٍ خارجية كمنابرَ لعدوان استخباراتي أَو عسكري سيؤدي إلى ردود محسوبة تكفل حماية المدنيين والمرافق الحيوية، وتعيد التوازن العسكري والاستخباراتي لصالح الوطن، مع التأكيد أن خيارَ التصعيد ليس المبتغى الأول إذَا توفرت بدائلُ دبلوماسية حقيقية ووقف تام للعدوان.
رابعًا، وبخلفية أوسعَ: يَظهَر أن هذه المؤامرات والخطط من هذا النوع ليست حكاية اختراق تقني مرحلي، بقدر ما هي جزء من صراع جيوسياسي يستهدف اليمن كمنهجية وكنفوذ وموارد وجغرافيا وخيارات سياسية، وما استغلال قنوات دعم استخبارية وعسكرية إلَّا لتقويض تلك المفاعيل بما يخدم المشروع الغربي الصهيوني المعادي للأُمَّـة العربية والإسلامية وحقها في السيادة والقرار والأرض.
هذا ما بات عليه الوعيُ الجمعي اليمني اليوم، الذي بقدر ما يساندُ قيادتَه الثوريةَ والسياسية والعسكرية فإنه يدعمُ بقوة الأجهزة الأمنية والقضائية في عملها الرامي لِحماية الوطن، وهو ما يضع مسؤوليةً على المجتمع الدولي لوقف دوامة التصعيد بدلًا عن المكابرة.
لا مكانَ للممارسات التي تهدّد أمن الشعب اليمني اليوم أَو تسعى لتقويض قدراته وخياراته، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في ضبط أدوات العنف الاستخباراتي والسياسي التي تستخدمها أمريكا وأتباعها في المنطقة، قبل أن تقوم اليمن بما يُمليه عليها واجبُها وحقُّها الديني والوطني والوجودي.
