المشهد اليمني الأول/

 

تخبرنا القراءة الواعية للتاريخ الإنساني، إن الحرب –أي حرب- هي مرحلة متصلة من الصراع بين طرفين أو أكثر، وإن المعارك العسكرية هي مجرد صورة لهذا الصراع، وليست الصراع كله، والهدف النهائي للحروب غالبًا ما يتحقق بفرض إرادة طرف على آخر، وبتحققه ينتهي الصراع أو يخفت حتى يبرد تمامًا.

 

حرب اليمن لا تختلف عن أي حرب أخرى في منطقتنا العربية والعالم، محور يريد استباحة اليمن وكسره، وصولًا للتحكم الكامل في مستقبله وقراره الوطني، وقوى العدوان ممثلة في حكومتي السعودية والإمارات، اللتين تريدان تحقيق نصر بأي ثمن، وهما تملكان فائض هائل من الثروات النفطية، يتيح لهما شراء السلاح الغربي والصمت العالمي والمرتزقة رخيصي الثمن والقيمة.

 

لكن الإصرار والصمود اليمني، المستمر لسنوات أربع، وما استجد في آخر عام بالتحديد، من قدرة صاروخية وصلت إلى عواصم دول العدوان، فرض الهدنة فرضًا، ريثما تتمكن القيادة العسكرية لتحالف الشر من إعادة رسم خططها، في ظل هدوء نسبي، ثم المحاولة من جديد، بعد هدوء عاصفة نقد عالمية ضد جرائم تفوق حد التصور أو الاستيعاب الإنساني.

 

بدأت محادثات الهدنة متعثرة، لا تريد السعودية من ورائها سوى الإيحاء بالرفض اليمني لوقف الحرب، وتتشدد في مطالبها، وعلى الأرض تستمر القاذفات في شلّ الحياة الطبيعية للشعب اليمني الصابر الصامد، وهو مؤشر على نية مبيتة للعودة إلى ساحات القتال، شرط فرصة سانحة.

 

الهدف الأسمى للسعودية من الحرب الآن هو درة تاج الصمود اليمني، وعنوان الانتصار، ميناء الحديدة، الذي ارتبط في أذهان كل من يؤيد الكفاح اليمني بالقدرة والمقاومة، يريد محمد بن سلمان ومن معه كسر النموذج الأنصع على فشلهم وخيبتهم الثقيلة، وأيضًا، يرغبون بشدة في إبعاد اليمن عن طريق التجارة العالمية الجديد، المار بالبحر الأحمر.

 

الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وقعت في آذار/مارس الجاري، اتفاقية لإنشاء اتحاد غرف البحر الأحمر، بين الدول المطلة عليه، في سعي واضح للاستفادة من طريق التجارة والمستقبل الرائع الذي ينتظره، وقادت عملية الإنشاء السعودية بالطبع، في ظل مشاركة حكومة هادي –المقيم في قصور الرياض- كممثل لليمن، وفي هذا كله لا تخفى المطامع السعودية من استغلال الموقع اليمني الفريد، والمطل على مضيق باب المندب، للتكسب من ورائه.

 

ميناء الحديدة، أو الهدف الثمين، هو مفتاح أي فرضية تخص مستقبل اليمن، والحرب الدائرة فيها وعليها، فالسلطات السعودية أطلقت –بالتزامن مع إعلان الدول الغربية الراعية للنظم الخليجية فشل مفاوضات السويد، بدءا من وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، الذي أعلن أن فرصة تحويل الهدنة، التي أعلنت في اليمن بفضل الاتفاق المبرم في السويد، إلى سلام شامل تتضاءل، وتبعه السفير الأميركي، الذي قلل من فرص التوصل إلى اتفاقية تنهي الحرب بشكل كامل.

 

الخطة السعودية من وراء محادثات السويد، كانت إعلان اتفاق إزالة المظاهر العسكرية من ميناء الحديدة، ونزع الألغام، كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قائلًا: إنه “جرى الاتفاق على إزالة المظاهر العسكرية ونزع الألغام من مدينة الحديدة وموانئها، وهذا يعطينا أملاً في حل بقية القضايا العالقة”.

 

التركيز السعودي على “نزع السلاح” في منطقة الحديدة، المدينة والميناء، يعطي تصورًا لما تخطط له في قادم الأيام، فهناك طرف يراد له أن يسحب سلاحه ويزيل دفاعاته، وطرف آخر يستعد في صمت وبغير ضجيج، ويحشد كل ما توافر له من سلاح وجنود، لمعركة فاصلة حول الميناء.

 

الهدنة التي يريدها “بن سلمان” هي هدنة من جانب واحد، تسمح له باستثمار أول فرصة لتوجيه ضربته الكبرى في الحرب، وبعدها سيعلن على الفور نهايتها، بعد أن يكون الميناء الإستراتيجي قد سقط، وحقق كل مآربه.

 

أحمد فؤاد – كاتب من مصر