المشهد اليمني الأول/

 

ليس غريباً على أحدٍ عاقل في هذا العالم، سيل الكذب والتزوير الذي تمارسه الإدارات الأمريكية المتعاقبة على شعوب المعمورة، وقد سبق أن مارسوا رذيلة الكذب في مواقع عديدةٍ على طول وعرض الكرة الأرضية، ولهذا فان درجة مصداقية تلك الإدارات منخفضة جداً إن لم نقل معدومة.

 

تابع الرأي العام المحلي والإقليمي والأجنبي ما دار من حوارات وإفادات على شاشات التلفزة العالمية، تلك (الشهادة) الزُّور التي قدمها مايك بومبيو وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أمام عددٍ من أعضاء الكونجرس الأمريكي الأسبوع الماضي، ومفاد الشهادة ان حرب المملكة العربية السعودية ومشيخة الإمارات على اليمن هي حرب نظيفة وهناك التزام من قبل دولتي السعودية والإمارات بعدم إصابة المدنيين ولا قصف البنى التحتية المدنية، وأنهما ملتزمتان بالمهنية العسكرية العالية، الى هنا وانتهت تلك الشهادة المأساوية (المناقضة للقيم الأمريكية) كما يدعون التي قامت وتأسست عليها الدولة الأمريكية القائمة على مفاهيم وأسس قانونية (صادقة) كما حَلُم بها المُؤسسون الأوائل لبناء دولةٍ أمريكية قوية وصادقةٍ تكون مُلهمة لشعوب الأرض في النظام وحقوق الإنسان.

 

إن قولا كهذا وشهادة زور بتلك الفظاعة التي عرضها الوزير أمام أعلى هيئة تشريعية في أميركا هي أحد أهم الأدلة التي تثبت تورط حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في الانخراط المباشر في الحرب العدوانية على اليمن منذ لحظاتها الأولى، وهي شريكة في العدوان الإجرامي من خلال:

 

أولا: وجود خبرائها ومستشاريها العسكريين في غرفة العمليات العسكرية بالرياض والتي تُدار منها جميع العمليات العسكرية العدوانية ضد اليمن وشعبه الكريم.
ثانياً: تسخير شبكة الأقمار الاصطناعية الأمريكية الموجهة على اليمن لصالح الحرب العدوانية ضد اليمن.

 

ثالثاً: تزويد جميع الطائرات الحربية المُغيرة التي تقذف يومياً بحمم صواريخها وبقنابلها على جميع محافظات الجمهورية، إن لم نقل على جميع مدنها وقراها ، مما نتج عنه تلك الخسائر المادية والإنسانية الهائلة والتي شهد العالم من خلال التقارير المحايدة نسبياً حجم جرائم العدوان وآخرها تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.

 

رابعاً: كارتيلات ومصانع السلاح الأمريكي العملاقة هي المزود الرئيسي لماكينة الحرب العسكرية السعودية الإماراتية التي استمرت بالحرب العدوانية مُنذ انطلاقة عدوانها في نهاية مارس 2015م وحتى لحظة كتابة هذه الأسطر، فأمريكا تبيع الأسلحة التقليدية والمحرمة دولياً وهي تعلم علم اليقين بأن ذلك السلاح يقتل اليمنيين، وشهد العالم بذهول ، كيف كان حضور الرئيس دونالد ترامب الى الرياض الذي وقع مع قادة السعودية صفقة القرن الخُرافية بمبالغ لم يصدقها العالم حتى اللحظة، إذ تم التوقيع على اتفاقيات تزيد عن 560 مليار دولار أمريكي، ولَم يكتف رعاة البقر بهذه الصفة المهولة ، بل تمت دعوة ولي العهد السعودي لزيارة واشنطن ليتم العرض عليه وفي مشهد مُذل، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ العلاقات بين الدول بأن يعرض رئيس أمريكي على ضيفه في البيت الأبيض أنواعا جديدة من الأسلحة مع أسعارها وكأننا في (سوق حراج لبيع السمك)، هكذا كان يعرض دونالد ترامب بضاعته جهارا نهاراً أمام جميع عدسات الكاميرات العالمية، بمبالغ وصلت لعشرات المليارات، والتي ستوفر لسوق العمل الأمريكية ما يعادل 40 ألف فرصة عمل، ليقول بعد كل ذلك المشهد، وبوقاحة للملك الشاب القادم لعرش آل سعود (أنها بالنسبة لكم عبارة عن فتات).

 

خامساً: مارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعبة الابتزاز الوقح بحق حكومات مجلس التعاون الخليجي وبالذات السعودية والإمارات، بقوله “انه لولا حماية الجيش الأمريكي لكم فإنكم لن تصمدوا على عروشكم لأسابيع، ولذلك يجب عليكم الدفع السخي مقابل حمايتنا لكم”، ومن هذه الزاوية ينطلق وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان في شهادتيهما المزورتين، باعتبارهم شركاء في إراقة الدم اليمني وفِي إزهاق أرواح الآلاف من شهداء اليمن الأحرار.

 

يمكن لنا إيراد العديد من الأمثلة والوقائع للشراكة الإستراتيجية بين أميركا والسعودية والإمارات في حربهم على اليمن، لكننا نتوقف هنا لكفاية الأدلة ووضوح البراهين لمن أراد أن يستوعب طبيعة العدوان على اليمن في هذه الحرب القذرة التي ذهب ضحيتها الآلاف من الضحايا نتاج القتل المباشر، وتفشي الأمراض والكارثة الإنسانية التي وصفتها المنظمات الإنسانية الدولية بأنها اكبر واخطر كارثة إنسانية عرفتها الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية ، وهذا يكفي لفهم طبيعة المعاناة والوجع الغائر في النفس اليمنية جراء عدوان آل سعود، وآل نهيان وبسلاح أمريكي وبغطاء دبلوماسي وسياسي غربي شامل كامل.

 

كيف أمكن لمسؤولي الإدارة الأمريكية ان يدلوا أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي بشهادة مزورة مفضوحة بأن ما يحدث من حرب عدوانية على الشعب اليمني حرب لا تستهدف المدنيين ، وللتذكير فحسب بأن جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي قد صرح في نهاية شهر أغسطس الماضي بذات محتوى التصريح حول حرب السعودية والإمارات على اليمن ، لكن الوقائع في حدوث الجرائم على الأرض اليمنية تقول بعكس ما يقوله المسؤولون الأمريكيون تماماً.

 

ماذَا ستقول لهم الأرواح الطاهرة التي فاضت إلى بارئها، وشلالات الدماء المُهدرة في ربوع اليمن التي عاشت جرائمهم من أحدث مسارح الجرائم في الدريهمي بالحديدة، وضحيان بصعدة، وأعراس ذمار، وجريمة الصالة الكبرى بالعاصمة صنعاء وسوق مستبأ ومستشفى أطباء بلا حدود في حجة، ومدارس الأطفال في صنعاء وجريمة سكن عمال الكهرباء في تعز، ولن نستطيع فعلاً حصر جرائمهم بحق المدنيين ، أليست هذه أرواحا يمانية مدنية طاهرة تم إزهاقها بتخطيط وتدبير وسلاح من إدارات الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة، كلها جرائم سعودية إماراتية وبغطاء صهيوني أمريكي، نرددها بثقة عالية بأنها جرائم لن تسقط بالتقادم، والله اعلم منا جميعاً.
وفوق كل ذي عِلْمٍ عَلِيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور*
*رئيس مجلس الوزراء
صنعاء في 16 سبتمبر 2018م

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا